الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما ما يدخله بعض الناس في هذا المسمى من الباطل فليس ذلك من أصول الدين، وإن أدخله فيه، مثل المسائل والدلائل الفاسدة، مثل: نفي الصفات، والقدر، ونحو ذلك من المسائل، ومثل الاستدلال على حدوث العالم بحدوث الأعراض التي هي صفات الأجسام القائمة بها: إما الأكوان، وإما غيرها.

وتقرير المقدمات التي يحتاج إليها هذا الدليل: من إثبات الأعراض - التي هي الصفات - أولا، أو إثبات بعضها كالأكوان - التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق - وإثبات حدوثها ثانيا بإبطال ظهورها بعد الكمون، وإبطال انتقالها من محل إلى محل، ثم إثبات امتناع خلو الجسم.

ثالثا: إما عن كل جنس من أجناس الأعراض بإثبات أن الجسم قابل لها، وأن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده، وإما عن الأكوان، وإثبات امتناع حوادث لا أول لها رابعا.

[ ص: 39 ]

وهو مبني على مقدمتين: إحداهما: أن الجسم لا يخلو عن الأعراض التي هي الصفات.

والثانية: أن ما لا يخلو عن الصفات التي هي الأعراض فهو محدث، لأن الصفات - التي هي الأعراض - لا تكون إلا محدثة، وقد يفرضون ذلك في بعض الصفات التي هي الأعراض، كالأكوان، وما لا يخلو عن جنس الحوادث فهو حادث، لامتناع حوادث لا تتناهى.

فهذه الطريقة مما يعلم بالاضطرار أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يدع الناس بها إلى الإقرار بالخالق ونبوة أنبيائه.

ولهذا قد اعترف حذاق أهل الكلام - كالأشعري وغيره - بأنها ليست طريقة الرسل وأتباعهم، ولا سلف الأمة وأئمتها، وذكروا أنها محرمة عندهم، بل المحققون على أنها طريقة باطلة، وأن مقدماتها فيها تفصيل وتقسيم يمنع ثبوت المدعى بها مطلقا، ولهذا تجد من اعتمد عليها في أصول دينه فأحد الأمرين لازم له: إما أن يطلع على ضعفها، ويقابل بينها وبين أدلة القائلين بقدم العالم، فتتكافأ عنده الأدلة، أو يرجح هذا تارة وهذا تارة كما هو حال طوائف منهم، وإما أن يلتزم لأجلها لوازم معلومة الفساد في الشرع والعقل، كما التزم جهم لأجلها فناء الجنة والنار، والتزم لأجلها [ ص: 40 ] أبو الهذيل انقطاع حركات أهل الجنة، والتزم قوم لأجلها - كالأشعري وغيره - أن الماء والهواء والتراب والنار له طعم ولون وريح ونحو ذلك، والتزم قوم لأجلها ولأجل غيرها أن جميع الأعراض - كالطعم واللون وغيرهما - لا يجوز بقاؤها بحال، لأنهم احتاجوا إلى جواب النقض الوارد عليهم لما أثبتوا الصفات لله، مع الاستدلال على حدوث الأجسام بصفاتها، فقالوا: صفات الأجسام أعراض، أي أنها تعرض فتزول، فلا تبقى بحال، بخلاف صفات الله فإنها باقية.

وأما ما اعتمد عليه طائفة منهم من أن العرض لو بقي لم يمكن عدمه، لأن عدمه إما أن يكون بإحداث ضد، أو بفوات شرط، أو اختيار الفاعل، وكل ذلك ممتنع، فهذه العمدة لا يختارها آخرون منهم، بل يجوزون أن الفاعل المختار يعدم الموجود كما يحدث المعدوم، ولا يقولون: إن عدم الأجسام لا يكون إلا بقطع الأعراض عنها كما قاله أولئك، ولا بخلق ضد هو الفناء لا في محل، كما قاله من قاله من المعتزلة. [ ص: 41 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية