الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 71 ] القاعدة التاسعة والأربعون ) : القبض في العقود على قسمين :

أحدهما : أن يكون من موجب العقد ومقتضاه كالبيع اللازم والرهن اللازم والهبة اللازمة والصداق وعوض الخلع فهذه العقود تلزم من غير قبض ، وإنما القبض فيها من موجبات عقودها .

الثاني : أن يكون القبض من تمام العقد كالقبض في السلم والربويات وفي الرهن والهبة والوقف على رواية والوصية على وجه وفي بيع غير المعين أيضا على خلاف فيه ، فأما السلم فمتى تفرقا قبل قبض رأس ماله بطل وكذلك في الربويات ، وأما الرهن والهبة فهل يعتبر القبض فيهما في جميع الأعيان أو في المبهم غير المتميز كقفيز من صبرة ؟ على روايتين ، وأما الوقف ففي لزومه بدون إخراج الوقف عن يده روايتان معروفتان ، وأما الوصية فهل تلزم بالقبول في المبهم ؟ فيه وجهان .

واختار القاضي وابن عقيل أنها لا تلزم فيه بدون قبض ، وخرج صاحب المغني وجها ثالثا أنها لا تلزم بدون القبض مطلقا كالهبة ، وكذلك حكى صاحب المغني وغيره وجهين في رد الموقوف عليه المعين للوقف هل يبطل برده ، وصرح القاضي في المجرد بأن الملك فيه لا يلزم بدون القبض وأما المبيع المبهم فذكر القاضي في موضع أنه غير لازم بدون القبض وذكر في موضع آخر [ أنه ] لازم من جهته [ ولم يتعرض للمشتري ولعله جعله غير لازم من جهة البائع ] لأنه لم يدخل في ضمانه بعد واختار صاحب المغني أنه لازم في حقهما جميعا وقال هو ظاهر كلام الخرقي واعلم أن كثيرا من الأصحاب يجعل القبض في هذه العقود معتبرا للزومها واستمرارها لا لانعقادها وإنشائها وممن صرح بذلك صاحب المغني وأبو الخطاب في انتصاره وصاحب التلخيص وغيرهم ، ومن الأصحاب من جعل القبض فيها شرطا للصحة وممن صرح بذلك صاحب المحرر فيه في الصرف والسلم والهبة .

وقال في الشرح : مذهبنا أن الملك في الموهوب لا يثبت بدون القبض وفرع عليه إذا دخل وقت الغروب من ليلة الفطر والعبد موهوب لم يقبض ثم قبض وقلنا يعتبر في هبته القبض ففطرته على الواهب .

وكذلك صرح ابن عقيل بأن القبض ركن من أركان الهبة كالإيجاب في غيرها وكلام الخرقي يدل عليه أيضا ، وكذلك ذكر القاضي أن القبض شرط في صحة الصرف والسلم وصرح به كثير من الأصحاب ، ولكن صاحب المحرر لم يذكر في الرهن إلا أن القبض شرط للزومه ، وصرح أبو بكر بأنه شرط لصحته وأن الرهن يبطل بزواله وكذلك صاحب المحرر في شرح الهداية والشيرازي وغيرهما .

وأما القرض والصدقة والزكاة وغيرها ففيها طريقان إحداهما لا يملك إلا بالقبض رواية واحدة وهي طريقة المجرد [ ص: 72 ] والمبهج ونص عليه أحمد في مواضع .

والثانية : أنه في المبهم لا يملك بدون القبض بخلاف المعين فإنه يملك فيه بالعقد وهي طريقة القاضي في خلافه وابن عقيل في مفرداته والحلواني وابنه إلا أنهما حكيا في المعين روايتين كالهبة ، وأما السهم من الغنيمة فيملك بدون القبض إذا عينه الإمام بغير خلاف صرح به الحلواني وابن عقيل وغيرهما ، وأما العارية فلا تملك بدون القبض إن قيل إنها هبة منفعة وخرج القاضي فيها رواية أخرى أنها تملك بمجرد العقد كهبة الأعيان وتلزم إذا كانت مؤقتة وإن قيل هي إباحة فلا يحصل الملك فيها بحال بل يستوفى على ملك المالك كطعام الضيف قال الشيخ تقي الدين : التحقيق أن يقال في هذه العقود : إذا لم يحصل القبض فلا عقد ، وإن كان بعض الفقهاء يقول بطل العقد فكما يقال إذا لم يقبل المخاطب بطل الإيجاب فهذا بطلان ما لم يتم لا بطلان ما تم انتهى . ولا يستبعد توقف انعقاد العقد على أمر زائد على الإيجاب والقبول كما يتوقف انعقاد النكاح معهما على الشهادة .

وفي الهبة وجه ثالث حكي عن ابن حامد أن الملك فيها يقع مراعى فإن وجد القبض تبينا أنه كان للموهوب بقبوله وإلا فهو للواهب ، وفرع على ذلك حكم الفطرة وقد يطرد قوله بالوقف والمراعاة إلى بقية هذه العقود .

وأما البيع الذي يعتبر له القبض ففي كلام أبي بكر ما يدل على أنه لا ينعقد بدون القبض أيضا ، فإنه قال : إذا اشتراه كيلا فلا يقع بينهما إلا كيلا وتأوله القاضي على نفي الضمان وهو بعيد قال : لأن أحمد قيل له في رواية ابن مشيش أليس قد ملكه المشتري ؟ قال بلى ولكن هو من مال البائع يعني إذا تلف ، قلت : لكن صرح أحمد في رواية ابن منصور بانتقال الملك قبل القبض فقال أما ما يكال ويوزن فلا بد للبائع أن يوفيه المبتاع لأن ملك البائع فيه قائم حتى يوفيه المشتري وما يكال ولا يوزن إذا كان معلوما فهو ملك للمشتري فما لزمه من شيء فهو عليه .

وقال أيضا في طعام اشتري بالصفة ولا يحول البائع الثمن والبائع مالك بعد ما لم يكله المشتري وهذا صريح لا يمكن تأويله ، فيكون إذا عن أحمد في انتقال الملك في بيع المكيل والموزون بدون القبض روايتان .

التالي السابق


الخدمات العلمية