الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النوع الثالث عشر : الاستئذان

                                                                                                                وفي " الموطأ " سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ، فقال : يا رسول الله ، أأستأذن على أمي ؟ فقال : نعم ، فقال : إني معها في البيت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استأذن عليها ، أتحب أن تراها عريانة ؟ قال : لا ، قال : فاستأذن عليها ، قال الباجي : الاستئذان على كل بيت فيه أحد واجب ، تستأذن ثلاثا ، فإن أذن لك ، وإلا رجعت ، لقول الله تعالى ( لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) قال مالك : الاستئناس : الاستئذان ثلاثا ، قال عليه السلام : إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع ، وقال الباجي : لا يزيد على الثلاث إلا أن يعلم أن استئذانه لم يسمع ، ويستأذن على أمه ، وذوات محارمه ، وكل من لا يحل له النظر إلى عورته ، بخلاف الزوجة ، والأمة .

                                                                                                                وقال ابن نافع : لا يزيد على الثلاث ، وإن ظن أنهم لم يسمعوا اتباعا للحديث ، قال : ولا بأس إن عرفت أحدا أن تدعوه ليخرج إليك ، وصفة الاستئذان أن يقول : سلام عليكم أأدخل ؟ أو السلام عليكم ، لا يزيد عليه ، قاله ابن نافع ، وقال ابن القاسم : الاستئناس أن تسلم ثلاثا ، وإن قيل لك : من هذا ؟ فسم نفسك بما تعرف به ، ولا تقول : أنا ; لأن جابر بن عبد الله استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : من هذا ؟ قال ، فقلت : أنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا ؟ ! على معنى الإنكار ، وإن سمى نفسه أولا في الاستئذان فحسن ; لأن أبا موسى جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما [ ص: 296 ] فقال : السلام عليكم ، هذا أبو موسى ، فلم يأذن ، فقال : السلام عليكم ، هذا الأشعري ، ثم انصرف ، فقال : ردوه علي ، فقال له : ما ردك كنا في شغل .

                                                                                                                في " البيان " : قال مالك : الاستئناس التسليم ، وإن أذن له من باب الدار فليس له أن يستأذن إذا وصل باب البيت ، قال صاحب " البيان " : وتغيير الاستئناس بالتسليم بعيد ، لقول الله تعالى : ( حتى تستأنسوا وتسلموا ) فغاير بينهما ، وعن مالك : الاستئناس الاستئذان ، وعليه أكثر المفسرين ، وقيل : حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح ، والتنخم ، ونحوه حتى يعلموا إرادتكم الدخول ، وقال الفراء : في الكلام تقديم وتأخير تقديره : حتى تسلموا وتستأذنوا ، وهو أن تقول : السلام عليكم أأدخل ؟ لأن ابن مسعود كان يقرؤها : " حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا " . واختلف في استئذان أبي موسى على عمر رضي الله عنهما فروي : السلام عليكم أأدخل ؟ كما تقدم ، وروي أنه قال : يستأذن أبو موسى ، يستأذن عبد الله بن قيس .

                                                                                                                قال صاحب " القبس " : الاستئذان استفعال من الإذن ، وعمه الله في كل موضع وجعله أصلا في كل رقبة ، وهيبة لكل منزل ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة : فآتي فأستأذن على ربي في داره ، فيؤذن لي ، ووقته مأخوذ من قوله تعالى ( ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ) الآية ، والآذن هو من كان من أهل المنزل ، وإن كان الصبي الصغير الذي يعقل الحجبة ، ويفهم الإذن .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية