الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم ( 109 ) يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون ( 110 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قالت الجماعة من رجال قوم فرعون والأشراف منهم "إن هذا" ، يعنون موسى صلوات الله عليه "لساحر [ ص: 19 ] عليم" ، يعنون : أنه يأخذ بأعين الناس بخداعه إياهم ، حتى يخيل إليهم العصا حية ، والآدم أبيض ، والشيء بخلاف ما هو به . ومنه قيل : "سحر المطر الأرض" ، إذا جادها ، فقطع نباتها من أصوله ، وقلب الأرض ظهرا لبطن ، فهو يسحرها سحرا" ، و"الأرض مسحورة" ، إذا أصابها ذلك . فشبه "سحر الساحر" بذلك ، لتخييله إلى من سحره أنه يرى الشيء بخلاف ما هو به ، ومنه قول ذي الرمة في صفة السراب :


وساحرة العيون من الموامي ترقص في نواشرها الأروم

.

وقوله ( عليم ) يقول : ساحر عليم بالسحر " يريد أن يخرجكم من أرضكم [ ص: 20 ] " أرض مصر ، معشر القبط السحرة . وقال فرعون للملأ " فماذا تأمرون " يقول : فأي شيء تأمرون أن نفعل في أمره؟ بأي شيء تشيرون فيه؟

وقيل : " فماذا تأمرون " ، والخبر بذلك عن فرعون ، ولم يذكر فرعون ، وقلما يجيء مثل ذلك في الكلام ، وذلك نظير قوله : ( قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، [ يوسف : 51 - 52 ] . فقيل : " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " ، من قول يوسف ، ولم يذكر يوسف ، ومن ذلك أن يقول : "قلت لزيد قم ، فإنى قائم" ، وهو يريد : "فقال زيد : إني قائم" .

التالي السابق


الخدمات العلمية