الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3179 [ ص: 266 ] كتاب تحريم الدماء وذكر القصاص والدية

                                                                                                                              وفيه أبواب شتى من مسائل هذه الأبواب المشار إليها. تأتي في مطاوي شرح هذه الأحاديث. إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                              باب تحريم الدماء والأموال والأغراض

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 167 - 170 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ويحيى بن حبيب الحارثي (وتقاربا في اللفظ ) . قالا : حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن ابن أبي بكرة ، عن أبي بكرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الزمان قد استدار، كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم؛ ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة ، والمحرم. ورجب، شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان". ثم قال: "أي شهر هذا؟" قلنا: الله ورسوله أعلم.

                                                                                                                              قال: فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس ذا الحجة؟" قلنا: بلى. قال: "فأي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم.

                                                                                                                              [ ص: 267 ] قال: فسكت ، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس البلدة؟ ".

                                                                                                                              قلنا: بلى. قال: "فأي يوم هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم.

                                                                                                                              قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس يوم النحر؟".

                                                                                                                              قلنا: بلى يا رسول الله!

                                                                                                                              قال: "فإن دماءكم وأموالكم، (قال محمد : وأحسبه قال: ) وأعراضكم: حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم. فلا ترجعن بعدي كفارا (أو ضلالا ) يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا، ليبلغ الشاهد الغائب. فلعل بعض من يبلغه، يكون أوعى له من بعض من سمعه" ثم قال: "ألا هل بلغت؟"


                                                                                                                              قال ابن حبيب في روايته : " ورجب مضر". وفي رواية أبي بكر : " فلا ترجعوا بعدي ".]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي بكرة ) رضي الله عنه ، (عن النبي صلى الله عليه ) وآله (وسلم قال : إن الزمان ) . أي : السنة. (قد استدار (. أي : عاد [ ص: 268 ] إلى موضعه الذي ابتدأ منه (كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض (.

                                                                                                                              معناه : أنهم كانوا في الجاهلية يتمسكون بملة إبراهيم عليه السلام ، في تحريم الأشهر الحرم. و كان يشق عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متواليات. فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال ، أخروا تحريم المحرم إلى الشهر الذي بعده ، وهو صفر. ثم يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر ، و هكذا يفعلون في سنة بعد سنة ، حتى اختلط عليهم الأمر ، وصادفت حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحريمهم. وقد تطابق الشرع. وكانوا في تلك السنة قد حرموا ذا الحجة ، لموافقة الحساب الذي ذكرناه. فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أن الاستدارة صادفت ما حكم الله تعالى به ، يوم خلق السماوات والأرض.

                                                                                                                              وقال أبو عبيد : كانوا ينسئون. أي : يؤخرون. وهو الذي قال الله تعالى فيه : إنما النسيء زيادة في الكفر فربما احتاجوا إلى الحرب في المحرم ، فيؤخرون تحريمه إلى صفر ، ثم يؤخرون صفر في سنة أخرى ، فصادف تلك السنة : رجوع المحرم إلى موضعه.

                                                                                                                              وذكر عياض وجوها أخر ، في بيان معنى هذا الحديث، ليست بواضحة ، وينكر بعضها.

                                                                                                                              (السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ؛ ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم. ورجب ، شهر مضر ، الذي بين جمادى وشعبان ) .

                                                                                                                              [ ص: 269 ] القعدة " بفتح القاف. و " الحجة ، بكسر الحاء. هذه اللغة المشهورة. ويجوز في لغة قليلة : كسر القاف ، وفتح الحاء.

                                                                                                                              قال النووي : وقد أجمع المسلمون على أن الأشهر الحرم الأربعة : هي هذه المذكورة في الحديث. ولكن اختلفوا في الأدب المستحب في كيفية عدها ؛

                                                                                                                              فقالت طائفة من أهل الكوفة ، وأهل الأدب : يقال : المحرم ، ورجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة. ليكون الأربعة من سنة واحدة.

                                                                                                                              وقال علماء المدينة ، والبصرة ، وجماهير العلماء : هي ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب. ثلاثة سرد ، وواحد فرد.

                                                                                                                              قال : وهذا هو الصحيح ، الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة ، منها هذا الحديث الذي نحن فيه. وعلى هذا الاستعمال أطبق الناس من الطوائف كلها..

                                                                                                                              وقيل : " ذو القعدة " ، لأنهم كانوا يقعدون فيه عن الأسفار.

                                                                                                                              وإنما قيد " رجب " بهذا التقييد : مبالغة في إيضاحه ، وإزالة اللبس عنه.

                                                                                                                              قالوا : وقد كان بين بني مضر ، وبين ربيعة : اختلاف في " رجب ". فكانت مضر تجعل رجبا : هذا الشهر المعروف الآن. وهو الذي بين جمادى وشعبان.

                                                                                                                              [ ص: 270 ] وكانت ربيعة تجعله "رمضان". فلهذا أضافه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مضر.

                                                                                                                              وقيل : لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم.

                                                                                                                              وقيل : إن العرب كانت تسمي رجبا وشعبان : الرجبين.

                                                                                                                              وقيل : كانت تسمي جمادى ورجبا : جماديين ، وتسمي شعبان : رجبا.

                                                                                                                              ثم قال : " أي شهر هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال : " أليس ذا الحجة ؟ " قلنا : بلى. قال : "فأي بلد هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : فسكت ، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال : " أليس البلدة ؟ " قلنا : بلى ) .

                                                                                                                              " والبلدة " : اسم خاص بمكة. كالبيت بالكعبة.

                                                                                                                              (قال : "فأي يوم هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال : " أليس يوم النحر ؟ " قلنا : بلى. يا رسول الله ! ) .

                                                                                                                              هذا السؤال ، والسكوت ، والتفسير ، أراد به : التفخيم ، والتقرير ، والتنبيه : على عظم مرتبة هذا الشهر ، والبلد ، واليوم.

                                                                                                                              وقولهم : " الله ورسوله أعلم ، هذا من حسن أدبهم ، وأنهم علموا أنه [ ص: 271 ] صلى الله عليه وآله وسلم : لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب. فعرفوا أنه ليس المراد : مطلق الإخبار بما يعرفون.

                                                                                                                              (قال : فإن دماءكم وأموالكم. قال محمد ) هو ابن سيرين ، الراوي لهذا الحديث ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبي بكرة : (وأحسبه قال : وأعراضكم : حرام عليكم. كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا (.

                                                                                                                              المراد بهذا كله : بيان توكيد غلظ تحريم الأموال ، والدماء ، والأعراض. والتحذير من ذلك. وهذا موضع ترجمة الباب.

                                                                                                                              والأعراض : جمع "عرض" بالكسر. وهو موضع المدح والذم من الإنسان ، سواء كان نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره.

                                                                                                                              والمقصود : النهي عن الظلم ، والتجاوز عن الحد : في حفظ حرمة الدماء ، والأموال ، والأعراض.

                                                                                                                              (وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى : " إلى يوم تلقون ربكم".

                                                                                                                              (فلا ترجعن بعدي ضلالا (جمع "ضال ". ويروى "كفارا " (يضرب بعضكم رقاب بعض ) .

                                                                                                                              ولا حجة فيه ، لمن يقول بالتكفير بالمعاصي. بل المراد به : كفران [ ص: 272 ] النعم. أو هو محمول على من استحل قتال المسلمين بلا شبهة (ألا ، ليبلغ الشاهد الغائب ) .

                                                                                                                              فيه : وجوب تبليغ العلم. وهو فرض كفاية. فيجب تبليغه بحيث ينتشر.

                                                                                                                              (فلعل بعض من يبلغه ، يكون أوعى له ) أي : أحفظ وأعلم (من بعض من سمعه ) .

                                                                                                                              احتج به العلماء : لجواز رواية الفضلاء وغيرهم ، من الشيوخ الذين لا علم لهم عندهم ولا فقه ، إذا ضبط ما يحدث به.

                                                                                                                              ثم قال : ألا ، هل بلغت ؟ ) . وزاد في رواية أخرى ، في خطبة عيد الأضحى : (قالوا : نعم. قال :

                                                                                                                              اللهم ! اشهد ) . قال في المشكاة ) : متفق عليه.




                                                                                                                              الخدمات العلمية