الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ( 129 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال قوم موسى لموسى ، حين قال لهم " استعينوا بالله واصبروا " ( أوذينا ) بقتل أبنائنا ( من قبل أن تأتينا ) ، يقول : من قبل أن تأتينا برسالة الله إلينا ، لأن فرعون كان يقتل أولادهم الذكور حين أظله زمان موسى على ما قد بينت فيما مضى من كتابنا هذا . وقوله : ( ومن بعد ما جئتنا ) ، يقول : ومن بعد ما جئتنا برسالة الله ، لأن فرعون لما غلبت سحرته ، وقال للملأ من قومه ما قال ، أراد تجديد العذاب عليهم بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم .

وقيل : إن قوم موسى قالوا لموسى ذلك ، حين خافوا أن يدركهم فرعون وهم منه هاربون ، وقد تراءى الجمعان ، فقالوا له : يا موسى ( أوذينا من قبل أن تأتينا ) ، كانوا يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا ( ومن بعد ما جئتنا ) ، اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا . [ ص: 44 ] وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

14973 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( من قبل أن تأتينا ) ، من قبل إرسال الله إياك وبعده .

14974 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

14974 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : فلما تراءى الجمعان فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردفهم ، قالوا : ( إنا لمدركون ) ، وقالوا : ( أوذينا من قبل أن تأتينا ) ، كانوا يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا ( ومن بعد ما جئتنا ) ، اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا إنا لمدركون .

14975 - حدثني عبد الكريم قال ، حدثنا إبراهيم قال ، حدثنا سفيان قال ، حدثنا أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : سار موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر ، فالتفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون ، فقالوا : يا موسى " أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا " ، هذا البحر أمامنا وهذا فرعون بمن معه! قال : ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ) .

وقوله : ( قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ) ، يقول جل ثناؤه : قال موسى [ ص: 45 ] لقومه : لعل ربكم أن يهلك عدوكم : فرعون وقومه ( ويستخلفكم ) ، يقول : يجعلكم تخلفونهم في أرضهم بعد هلاكهم ، لا تخافونهم ولا أحدا من الناس غيرهم ( فينظر كيف تعملون ) ، يقول : فيرى ربكم ما تعملون بعدهم ، من مسارعتكم في طاعته ، وتثاقلكم عنها .

التالي السابق


الخدمات العلمية