الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 576 ] ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في ثاني ربيع الأول منها كان دخول السلطان صلاح الدين إلى دمشق بعد عافيته ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان يوما مشهودا كما جرت بمثل ذلك عادة الملوك ، واجتمع بالقاضي الفاضل وزاره واستزاره ، وفاوضه واستشاره ، وكان لا يقطع أمرا دونه ، ولا يخفي عنه مكنونه ، ولا ضميره ومضمونه ، ثم قرر السلطان في ملك دمشق ولده الأفضل عليا ، ونزل العادل أبو بكر عن حلب لصهره ، زوج ابنته الملك الظاهر غازي بن السلطان ، وأرسل السلطان أخاه العادل صحبة ولده عماد الدين عثمان الملك العزيز على ملك مصر ، ويكون العادل أتابكه ، وله أقطاع عظيمة جدا ، وعزل عنها نائبها تقي الدين عمر ، فعزم على الدخول إلى إفريقية ، فلم يزل السلطان يكاتبه ويتلطف به ويترفق له حتى أقبل بجنوده نحوه ، فأكرمه واحترمه وعظمه وأقطعه حماة وبلادا كثيرة معها - وقد كانت له قبل ذلك - وزاده على ذلك مدينة ميافارقين وامتدحه العماد الكاتب بقصيدة سينية سنية ذكرها في " الروضتين " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة هادن قومص طرابلس السلطان وصالحه وصافاه ، حتى كان يقاتل ملوك الفرنج أشد القتال ويسبي منهم النساء والأطفال ، وكاد أن يسلم ولكن صده شيطانه ورماه بالخبال ، وكانت مصالحته من أقوى أسباب نصرة [ ص: 577 ] السلطان على الفرنج ، ومن أشد ما دخل عليهم في دينهم ودنياهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال العماد الكاتب : وكان المنجمون في جميع البلاد يحكمون بخراب العالم في شعبان عند اجتماع الكواكب الستة في الميزان بطوفان الريح في سائر البلدان ، وذكر أن ناسا من الجهلة تأهبوا لذلك بحفر مغارات ومدخلات وأسراب في الأرض خوفا من ذلك . قال : فلما كانت تلك الليلة التي أشاروا إليها وأجمعوا عليها لم ير ليلة مثلها في ركودها وركونها وهدوئها وهدونها ، وكذا ذكر غير واحد من الناس ، وقد نظم الشعراء في تكذيب المنجمين في هذه الواقعة وغيرها أشعارا حسنة ، فمن ذلك قول عيسى بن مودود :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مزق التقويم والزي ج فقد بان الخفاء     إنما التقويم والزيج
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هباء وهواء     قلت للسبعة إبرا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      م ومنع وعطاء     ومتى ينزلن في المي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      زان يستولي الهواء     ويثير الرمل حتى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يمتلي منه الفضاء     ويعم الأرض خسف
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وخراب وبلاء     ويصير القاع كالق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ف وكالطود العراء     وحكمتم فأبى الحا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كم إلا ما يشاء     ما أتى الشرع ولا جا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ءت بهذا الأنبياء      [ ص: 578 ] فبقيتم ضحكة يض
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حك منها العلماء     حسبكم خزيا وعارا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما يقول الشعراء     ثم ما أطمعكم في ال
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حكم إلا الأمراء     ليت إذ لم يحسنوا في الد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ين ظنا ما أساءوا     فعلى اصطرلاب بطلي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      موس والزيج العفاء     وعليه الخزي ما جا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دت على الأرض السماء

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية