الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يوم تأتي كل نفس نصب على الظرفية- ب"رحيم"- وقيل: على أنه مفعول به لاذكر محذوفا، ورجح الأول بارتباط النظم عليه ومقابلته لقوله تعالى: في الآخرة هم الخاسرون ولا يضر تقييد الرحمة بذلك اليوم لأن الرحمة في غيره تثبت بالطريق الأولى، والمراد بهذا اليوم يوم القيامة تجادل عن نفسها تدافع وتسعى في خلاصها بالاعتذار ولا يهمها شأن غيرها من ولد ووالد وقريب. أخرج أحمد في الزهد. وجماعة عن كعب قال: كنت عند عمر بن الخطاب فقال: خوفنا يا كعب فقلت: يا أمير المؤمنين أوليس فيكم كتاب الله تعالى وحكمة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى ولكن خوفنا قلت: يا أمير المؤمنين لو وافيت يوم القيامة بعمل سبعين نبيا لازدرأت عملك مما ترى قال: زدنا قلت: يا أمير المؤمنين إن جهنم لتزفر زفرة يوم القيامة [ ص: 241 ] لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثيا على ركبتيه حتى إن إبراهيم خليله ليخر جاثيا على ركبتيه فيقول: رب نفسي نفسي لا أسألك اليوم إلا نفسي فأطرق عمر مليا قلت: يا أمير المؤمنين أوليس تجدون هذا في كتاب الله؟ قال: كيف؟ قلت: قول الله تعالى في هذه الآية: يوم تأتي كل نفس إلخ، وجعل بعضهم هذا القول هو الجدال ولم يرتضه ابن عطية ، والحق أنه ليس فيه إلا الدلالة على عدم الاهتمام بشأن الغير وهو بعض ما تدل عليه الآية وعن ابن عباس أن هذه المجادلة بين الروح والجسد يقول الجسد: بك نطق لساني وأبصرت عيني ومشت رجلي ولولاك لكنت خشبة ملقاة وتقول الروح: أنت كسبت وعصيت لا أنا وأنت كنت الحامل وأنا المحمول فيقول الله تعالى: أضرب لكما مثلا أعمى حمل مقعدا إلى بستان فأصابا من ثماره فالعذاب عليكما، والظاهر عدم صحة هذا عن هذا الحبر وهو أجل من أن يحمل المجادلة في الآية على ما ذكر.

                                                                                                                                                                                                                                      وضمير ( نفسها ) عائد على النفس الأولى فكأنه قيل: عن نفس النفس، وظاهره إضافة الشيء إلى نفسه، فوجه بأن النفس الأولى هي الذات والجملة أي الشخص بأجزائه كما في قولك، نفس كريمة ونفس مباركة، والثانية عينها أي التي تجري مجرى التأكيد ويدل على حقيقة الشيء وهويته بحسب المقام، والفرق بينهما أن الأجزاء ملاحظة في الأول دون الثاني، والأصل هو الثاني لكن لعدم المغايرة في الحقيقة بين الذات وصاحبها استعمل بمعنى الصاحب ثم أضيف الذات إليه، فوزان ( كل نفس ) وزان قولك: كل أحد كذا في الكشف، وفي الفرائد المغايرة شرط بين المضاف إليه لامتناع النسبة بدون المنتسبين فلذلك قالوا: يمتنع إضافة الشيء إلى نفسه إلا أن المغايرة قبل الإضافة كافية وهي محققة هاهنا لأنه لا يلزم من مطلق النفس نفسك ويلزم من نفسك مطلق النفس فلما أضيف ما لا يلزم أن يكون نفسك إلى نفسك صحت الإضافة وإن اتحدا بعد الإضافة، ولذا جاز عين الشيء وكله ونفسه بخلاف أسد الليث وحبس المنع ونحوهما، وقال ابن عطية : النفس الأولى هي المعروفة والثانية هي البدن، وقال العسكري: الإنسان يسمى نفسا تقول العرب: ما جاءني إلا نفس واحدة أي إنسان واحدة، والنفس في الحقيقة لا تأتي لأنها هي الشيء الذي يعيش به الإنسان فتأمل ففي النفس من بعض ما قالوه شيء، والظاهر أن السؤال والجواب المشهورين في- كل رجل وضيعته- يجريان هاهنا فتفطن.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي البحر إنما لم تجئ- تجادلها عنها- بدل تجادل عن نفسها لأن الفعل إذا لم يكن من باب ظن وفقد لا يتعدى ظاهرا كان فاعله أو مضمرا إلى ضميره المتصل فلا يقال: ضربتها هند أو هند ضربتها وإنما يقال: ضربت نفسها هند وهند ضربت نفسها، وتأنيث ( تأتي ) مع إسناده إلى ( كل ) وهو مذكر لرعاية المعنى، وكذا يقال فيما بعد، وعلى ذلك جاء قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      جادت عليها كل عين ثرة فتركن كل حديقة كالدرهم



                                                                                                                                                                                                                                      وتوفى كل نفس أي تعطى وافيا كاملا ما عملت أي جزاء عملها أو الذي عملته إن خيرا فخيرا وإن شرا بطريق اطلاق اسم السبب على المسبب إشعارا بكمال الاتصال بين الأجزية والأعمال، والإظهار في مقام الإضمار لزيادة التقرير وللإيذان باختلاف وقتي المجادلة والتوفية وإن كانتا في يوم واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      وهم لا يظلمون بزيادة العقاب أو بالعقاب بغير ذنب وقيل: بنقص أجورهم وتعقب بأنه علم [ ص: 242 ] من السابق.

                                                                                                                                                                                                                                      وأجيب بأن القائل به لعله أراد بجزاء ما عملت العقاب، وعلى تقدير إرادة الأعم فهذا تكرار للتأكيد ووجه ضمير الجمع ظاهر

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية