الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل : في التوحيدين اللذين عليهما مدار كتاب الله تعالى

وملاك النجاة والسعادة والفوز بتحقيق التوحيدين اللذين عليهما مدار كتب الله تعالى وبتحقيقهما بعث الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإليهما رغب الرسل صلوات الله وسلامه عليهم " كلهم " من أولهم إلى آخرهم .

أحدهما التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي المتضمن إثبات صفات الكمال لله تعالى وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل وتنزيهه عن صفات النقص .

والتوحيد الثاني : عبادته وحده لا شريك له ، وتجريد محبته ، والإخلاص له ، وخوفه ورجاؤه ، والتوكل عليه ، والرضى به ربا وإلها ووليا وأن لا يجعل له عدلا في شيء من الأشياء .

[ ص: 94 ] وقد جمع سبحانه وتعالى هذين النوعين من التوحيد في سورتي الإخلاص وهما : سورة : ( قل ياأيها الكافرون ) المتضمنة للتوحيد العملي الإرادي ، وسورة : ( قل هو الله أحد ) المتضمنة للتوحيد الخبري العلمي .

فسورة : ( قل هو الله أحد ) فيها بيان ما يجب لله تعالى من صفات الكمال ، وبيان ما يجب تنزيهه عنه من النقائص والأمثال ، وسورة : ( قل ياأيها الكافرون ) فيها إيجاب عبادته وحده ( لا شريك له ) والتبري من عبادة كل ما سواه ولا يتم أحد التوحيدين إلا بالآخر ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهاتين السورتين في سنة الفجر والمغرب والوتر اللتين هما فاتحة العمل وخاتمته ليكون مبدأ النهار توحيدا وخاتمته توحيدا .

فالتوحيد العلمي الخبري له ضدان التعطيل والتشبيه والتمثيل فمن نفى صفات الرب عز وجل وعطلها كذب تعطيله توحيده ، ومن شبهه بخلقه ومثله بهم كذب تشبيهه وتمثيله توحيده .

والتوحيد الإرادي العملي له ضدان : الإعراض عن محبته والإنابة إليه والتوكل عليه أوالإشراك به في ذلك واتخاذ أوليائه شفعاء من دونه .

وقد جمع سبحانه وتعالى بين التوحيدين في غير موضع من القرآن فمنها قوله تعالى : ( ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) ومنها قوله تعالى : ( الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ) .

[ ص: 95 ] ومنها قوله تعالى : ( الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية