الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
سورة طه

295 - قوله - تبارك وتعالى - : وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ، وفي النمل : إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ، وفي القصص : فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون . هذه الآيات تشتمل على ذكر رؤية موسى النار ، وأمره أهله بالمكث ، وإخباره أنه آنس نارا ، وإطماعهم أن يأتيهم بنار يصطلون بها ، أو بخبر يهتدون به إلى الطريق التي ضلوا عنها . لكنه نقص في النمل ذكر رؤيته النار ، وأمر أهله بالمكث ؛ اكتفاء بما تقدم ، وزاد في [ ص: 174 ] القصص : قضاء موسى الأجل المضروب ، وسيره بأهله إلى مصر ؛ لأن الشيء قد يجمل ثم يفصل ، وقد يفصل ثم يجمل ، وفي طه فصل ، وأجمل في النمل ، ثم فصل في القصص وبالغ فيه .

وقوله في طه : أو أجد على النار هدى ، أي : من يخبرني بالطريق فيهديني إليه . وإنما أخر ذكر المخبر فيهما ، وقدمه فيهما مرات لفواصل الآي ، وكرر " لعلي " في القصص لفظا ، وفيهما معنى ؛ لأن " أو " في قوله : أو أجد على النار هدى ، نائب عن " لعلي " ، و سآتيكم تتضمن معنى " لعلي " وفي القصص : أو جذوة من النار ، وفي النمل : بشهاب قبس ، وفي طه : بقبس ؛ لأن الجذوة من النار خشبة في رأسها قبس له شهاب ، فهي في السور الثلاث عبارة عن معبر واحد .

296 - قوله : فلما أتاها هنا ، وفي النمل : فلما جاءها ، وفي القصص : أتاها ؛ لأن أتى وجاء بمعنى واحد ، لكن كثر دور الإتيان في طه نحو : فأتياه ، فلنأتينك ، ثم أتى ، ثم ائتوا ، حيث أتى . ولفظ " جاء " في النمل أكثر ، نحو : فلما جاءتهم ، وجئتك ، فلما جاء سليمان ، وألحق القصص بـ " طه " لقرب ما بينهما .

297 - قوله : فرجعناك إلى أمك ، وفي القصص : فرددناه ؛ لأن الرجع إلى الشيء والرد إليه بمعنى ، والرد على الشيء يقتضي كراهة المردود ، ولفظ الرجع ألطف ، فخص بـ ( طه ) ، وخص القصص بقوله : فرددناه تصديقا لقوله : إنا رادوه إليك .

[ ص: 175 ] 298 - قوله : وسلك لكم فيها سبلا ، وفي الزخرف : وجعل ؛ لأن لفظ السلوك مع السبيل أكثر استعمالا به ، فخص به " طه " ، وخص الزخرف بـ " جعل " ازدواجا للكلام ، وموافقة لما قبله وما بعدها .

299 - قوله : إلى فرعون ، وفي الشعراء : أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون ، وفي القصص : فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه ؛ لأن " طه " هي السابقة ، وفرعون هو الأصل المبعوث إليه ، وقومه تبع له ، وهو كالمذكورين معه ، وفي الشعراء : قوم فرعون ، أي قوم فرعون وفرعون ، فاكتفى بذكره في الإضافة عن ذكره مفردا . ومثله : أغرقنا آل فرعون أي : آل فرعون وفرعون ، وفي القصص : إلى فرعون وملئه فجمع بين الآيتين ، فصار كذكر الجملة بعد التفصيل .

300 - قوله : واحلل عقدة من لساني صرح بالعقدة في هذه السورة ؛ لأنها السابقة ، وفي الشعراء : ولا ينطلق لساني كناية عن العقدة بما يقرب من التصريح ، وفي القصص : وأخي هارون هو أفصح مني لسانا ، فكنى عن العقدة كناية مبهمة ؛ لأن الأول يدل على ذلك .

[ ص: 176 ] 301 - وقوله في الشعراء : ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون ، وفي القصص : إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ، وليس له في " طه " ذكره ؛ لأن قوله : ويسر لي أمري مشتمل على ذلك وغيره ؛ لأن الله - عز وجل - إذا يسر له أمره فلن يخاف القتل .

302 - قوله : واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي صرح بالوزير لأنها الأولى في الذكر ، وكنى عنه في الشعراء حيث قال : فأرسل إلى هارون ليأتيني ، فيكون لي وزيرا ، وفي القصص : فأرسله معي ردءا يصدقني أي : اجعله لي وزيرا . فكنى عنه بقوله : ردءا لبيان الأول .

303 - قوله : فقولا إنا رسولا ربك ، وبعده : إنا رسول رب العالمين ؛ لأن الرسول مصدر يسمى به ، فحيث وحده حمل على المصدر ، وحيث ثنى حمل على الاسم .

ويجوز أن يقال : حيث وحد حمل على الرسالة ؛ لأنهما أرسلا لشيء واحد ، وحيث ثنى حمل على الشخصين .

وأكثر ما فيه من المتشابه سبق .

304 - قوله : أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون بالفاء من غير " من " ، وفي السجدة " 26 " بالواو ، وبعده : " من " ؛ لأن الفاء للتعقيب والاتصال بالأول ، فطال الكلام ، فحسن حذف " من " ، والواو تدل على الاستئناف ، وإثبات " من " مستثقل ، وقد سبق الفرق بين إثباته وحذفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية