الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 627 ] ثم دخلت سنة سبع وثمانين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها قدم ملك الإفرنسيس وملك إنكلترا وغيرهما من ملوك البحر على الفرنج إلى عكا وتمالئوا على عكا في هذه السنة كما سيأتي تفصيله وقد استهلت والحصار على عكا على حاله من الجانبين وقد استكمل دخول البدل إلى البلد والملك العادل مخيم إلى جانب البحر ليتكامل دخولهم ودخول ميرتهم - لطف الله بهم - وفي ليلة مستهل ربيع الأول خرج المسلمون من عكا فهجموا على مخيم الفرنج فقتلوا منهم خلقا كثيرا وسبوا ونهبوا شيئا كثيرا سبوا اثنتي عشرة امرأة وانكسر مركب عظيم للفرنج فغرق فيه خلق منهم وأسر باقيهم وأغار صاحب حمص أسد الدين شيركوه بن ناصر الدين محمد بن شيركوه على سرح الفرنج بأراضي طرابلس فاستاق منهم شيئا كثيرا من الخيول والأبقار والأغنام وظفر اليزك بخلق كثير من الفرنج فقتلوهم ولم يقتل من المسلمين سوى طواشي صغير عثر به فرسه وفي ثاني عشر ربيع الأول وصل إلى الفرنج ملك إفرنسيس فليب في ست بطس ملعونة مشحونة بعبدة الصليب وحين وصل إليهم وقدم عليهم لم يبق لأحد من ملوكهم معه كلام ولا حكم لعظمته عندهم وقدم معه باز عظيم أبيض وهو الباز الأشهب الهائل فطار من يده فسقط على سور عكا فأمسكه أهلها وبعثوا به إلى [ ص: 628 ] السلطان فبذل الفرنج فيه ألف دينار فلم يجابوا وقدم بعده كندفرير وهو من أكابر ملوكهم أيضا ووصلت سفن ملك الإنكلتير ولم يجئ هو لاشتغاله بجزيرة قبرس وأخذها من يد صاحبها وتواصلت ملوك الإسلام من بلدانها في أول فصل الربيع إلى خدمة السلطان الناصر صلاح الدين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال العماد : وقد كان للمسلمين لصوص يدخلون إلى خيام الفرنج فيسرقون حتى إنهم يسرقون الرجال فاتفق أن بعضهم أخذ صبيا رضيعا من مهده ابن ثلاثة أشهر فوجدت عليه أمه وجدا عظيما ، واشتكت إلى ملوكهم فقالوا لها : إن سلطان المسلمين رحيم القلب ، وقد أذنا لك أن تذهبي إليه فتشتكي أمرك إليه . قال العماد : فجاءت إلى السلطان وأنا واقف معه فبكت بكاء شديدا وجعلت تمرغ وجهها على الأرض فسألها عن أمرها . فأنهت إليه حالها فرق لها رقة شديدة حتى دمعت عينه ، فأمر بإحضار ولدها فإذا هو قد بيع في السوق ، فرسم بدفع ثمنه إلى المشتري ولم يزل واقفا حتى جيء بالغلام ، فأخذته أمه وأرضعته ساعة وهي تبكي من شدة فرحها وشوقها إليه ، ثم أمر بحملها إلى قومها على فرس مكرمة رحمه الله تعالى وبل بالرأفة ثراه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية