الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 528 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [213] كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنـزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

                                                                                                                                                                                                                                      كان الناس أمة واحدة أي: وجدوا أمة واحدة تتحد مقاصدها ومطالبها ووجهتها لتصلح ولا تفسد. وتحسن ولا تسيء، وتعدل ولا تظلم، أي: ما وجدوا إلا ليكونوا كذلك، كما قال في الآية الأخرى: وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا أي: انحرفوا عن الاتحاد والاتفاق، الذي يثمر كل خير لهم وسعادة، إلى الاختلاف والشقاق المستتبع الفساد وهلاك الحرث والنسل، ولما كانوا لم يخلقوا سدى من الله عليهم بما يبصرهم سبيل الرشاد في الاتحاد على الحق من بعثة الأنبياء وما نزل معهم من الكتاب الفصل، كما أشارت تتمة الآية: فبعث الله النبيين الذين رفعهم على بقية خلقه فأنبأهم بما يريد من أمره، وأرسلهم إلى خلقه: مبشرين لمن آمن وأطاع: ومنذرين لمن كفر وعصى: وأنـزل معهم الكتاب أي: كلامه الجامع لما يحتاجون إليه في باب الدين على الاستقامة والهداية التامة ; لكونه متلبسا: بالحق من جميع الوجوه: ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من الاعتقادات والأعمال التي كانوا عليها قبل ذلك أمة واحدة، فسلكوا بهم، بعد جهد، السبيل الأقوم، ثم ضلوا على علم بعد موت الرسل، فاختلفوا في الدين لاختلافهم في الكتاب: وما اختلف فيه أي: الكتاب الهادي الذي [ ص: 529 ] لا لبس فيه، المنزل لإزالة الاختلاف: إلا الذين أوتوه أي: علموه فبدلوا نعمة الله بأن أوقعوا الخلاف فيما أنزل لرفع الخلاف. ولم يكن اختلافهم لالتباس عليهم من جهته بل: من بعد ما جاءتهم البينات أي: الدلائل الواضحة -: بغيا بينهم أي: حسدا وقع بينهم: فهدى الله الذين آمنوا بالكتاب: لما اختلفوا أي: أهل الضلالة: فيه من الحق أي: للحق الذي اختلفوا فيه. وفي إبهامه أولا، وتفسيره ثانيا، ما لا يخفى من التفخيم: بإذنه أي: بتيسيره ولطفه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم تقرير لما سبق. وفي " صحيح مسلم " عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان - إذا قام من الليل يصلي يقول: « اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل! فاطر السماوات والأرض! عالم الغيب والشهادة! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم...! » .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية