الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 156 ] القول في تأويل قوله ( قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ( 156 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال الله لموسى : هذا الذي أصبت به قومك من الرجفة ، عذابي أصيب به من أشاء من خلقي ، كما أصيب به هؤلاء الذين أصبتهم به من قومك " ورحمتي وسعت كل شيء " ، يقول : ورحمتي عمت خلقي كلهم .

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : مخرجه عام ، ومعناه خاص ، والمراد به : ورحمتي وسعت المؤمنين بي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم . واستشهد بالذي بعده من الكلام ، وهو قوله : " فسأكتبها للذين يتقون " ، الآية .

ذكر من قال ذلك :

15202 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو سلمة المنقري قال ، حدثنا حماد بن سلمة قال ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنه قرأ : " ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون " . قال : جعلها الله لهذه الأمة . [ ص: 157 ]

15203 - حدثني عبد الكريم قال ، حدثنا إبراهيم بن بشار قال ، قال سفيان قال ، أبو بكر الهذلي : فلما نزلت : " ورحمتي وسعت كل شيء " ، قال إبليس : أنا من "الشيء"! فنزعها الله من إبليس ، قال : " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون " ، فقال اليهود : نحن نتقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات ربنا! فنزعها الله من اليهود فقال : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي " ، قال : نزعها الله عن إبليس ، وعن اليهود ، وجعلها لهذه الأمة .

15204 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : لما نزلت : " ورحمتي وسعت كل شيء " ، قال إبليس : أنا من "كل شيء!" . قال الله : " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون " ، الآية . فقالت اليهود : ونحن نتقي ونؤتي الزكاة! فأنزل الله : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي " ، قال : نزعها الله عن إبليس ، وعن اليهود ، وجعلها لأمة محمد : سأكتبها للذين يتقون من قومك .

15205 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء " ، فقال إبليس : أنا من ذلك "الشيء"! فأنزل الله : " فسأكتبها للذين يتقون " معاصي الله " والذين هم بآياتنا يؤمنون " ، فتمنتها اليهود والنصارى ، فأنزل الله شرطا وثيقا بينا ، فقال : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي " ، فهو نبيكم ، كان أميا لا يكتب صلى الله عليه وسلم .

15206 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، أخبرنا خالد الحذاء ، [ ص: 158 ] عن أنيس بن أبي العريان ، عن ابن عباس في قوله : " واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك " ، قال : فلم يعطها ، فقال : " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون " إلى قوله : " الرسول النبي الأمي " .

15207 - حدثني ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، وعبد الأعلى ، عن خالد ، عن أنيس أبي العريان قال عبد الأعلى ، عن أنيس أبي العريان وقال : قال ابن عباس : " واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك " ، قال : فلم يعطها موسى ، قال : " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها " ، إلى آخر الآية .

15208 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قال : كان الله كتب في الألواح ذكر محمد وذكر أمته ، وما ذخر لهم عنده ، وما يسر عليهم في دينهم ، وما وسع عليهم فيما أحل لهم ، فقال : [ ص: 159 ] عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون يعني : الشرك . الآية . .

وقال آخرون : بل ذلك على العموم في الدنيا ، وعلى الخصوص في الآخرة .

ذكر من قال ذلك :

15209 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن الحسن وقتادة في قوله : " ورحمتي وسعت كل شيء " ، قالا : وسعت في الدنيا البر والفاجر ، وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة .

وقال آخرون : هي على العموم ، وهي التوبة .

ذكر من قال ذلك :

15210 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك " ، فقال : سأل موسى هذا ، فقال الله : " عذابي أصيب به من أشاء " العذاب الذي ذكر "ورحمتي" ، التوبة ( وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ) ، قال : فرحمته التوبة التي سأل موسى عليه السلام ، كتبها الله لنا .

وأما قوله : " فسأكتبها للذين يتقون " ، فإنه يقول : فسأكتب رحمتي التي وسعت كل شيء ومعنى "أكتب" في هذا الموضع : أكتب في اللوح الذي كتب فيه التوراة " للذين يتقون " ، يقول : للقوم الذين يخافون الله ويخشون عقابه على الكفر به والمعصية له في أمره ونهيه ، فيؤدون فرائضه ، ويجتنبون معاصيه . [ ص: 160 ] وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله هؤلاء القوم بأنهم يتقونه . فقال بعضهم : هو الشرك .

ذكر من قال ذلك :

15211 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " فسأكتبها للذين يتقون " ، يعني الشرك .

وقال آخرون : بل هو المعاصي كلها .

ذكر من قال ذلك :

15212 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة " فسأكتبها للذين يتقون " ، معاصي الله .

وأما "الزكاة وإيتاؤها" ، فقد بينا صفتها فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته .

وقد ذكر عن ابن عباس في هذا الموضع أنه قال في ذلك ما : -

15213 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " ويؤتون الزكاة " ، قال : يطيعون الله ورسوله .

فكأن ابن عباس تأول ذلك بمعنى أنه العمل بما يزكي النفس ويطهرها من صالحات الأعمال .

وأما قوله : " والذين هم بآياتنا يؤمنون " ، فإنه يقول : وللقوم الذين هم بأعلامنا وأدلتنا يصدقون ويقرون . [ ص: 161 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية