الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وكم أهلكنا أي: كثيرا ما أهلكنا من القرون تمييز - لكم - والقرن على ما قال الراغب القوم المقترنون في زمان واحد، وعن عبد الله بن أبي أوفى هو مدة مائة وعشرين سنة، وعن محمد بن القاسم المازني، وروي مرفوعا أنه مائة سنة، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم دعا لرجل فقال: «عش قرنا». فعاش مائة سنة أو مائة وعشرين، وعن الكلبي أنه ثمانون سنة، وعن ابن سيرين أنه أربعون سنة من بعد نوح من بعد زمنه عليه السلام كعاد وثمود ومن بعدهم ممن قصت أحوالهم في القرآن العظيم ومن لم تقص، وخص نوح عليه السلام بالذكر ولم يقل: من بعد آدم لأنه أول رسول آذاه قومه فاستأصلهم العذاب ففيه تهديد وإنذار للمشركين ولظهور حال قومه لم ينظموا في القرون المهلكة على أن ذكره عليه السلام رمز إلى ذكرهم، و (من) الأولى للتبيين لا زائدة، والثانية لابتداء الغاية؛ فلذا جاز اتحاد متعلقهما، وقال الحوفي: (من) الثانية بدل من الأولى وليس بجيد.

                                                                                                                                                                                                                                      وكفى بربك أي: كفى ربك، وقد تقدم الكلام مفصلا آنفا في مثل هذا التركيب بذنوب عباده خبيرا بصيرا محيطا بظواهرها وبواطنها فيعاقب عليها، وتقديم الخبير لتقدم متعلقه من الاعتقادات والنيات التي هي مبادئ الأعمال الظاهرة تقدما وجوديا، وقيل: تقدما رتبيا؛ لأن العبرة بما في القلب كما يدل عليه: «إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم».

                                                                                                                                                                                                                                      وإنما الأعمال بالنيات، ونية المؤمن خير من عمله إلى غير ذلك، أو لعمومه من حيث يتعلق بغير المبصرات أيضا، والجار والمجرور متعلق ب (خبيرا بصيرا) على سبيل التنازع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحوفي: متعلق بكفى وهو وهم، وفي تذييل ما تقدم بما ذكر إشارة على ما قيل إلى أن البعث والأمر وما يتلوهما من فسقهم ليس لتحصيل العلم بما صدر عنهم من الذنوب، فإن ذلك حاصل قبل ذلك، وإنما هو لقطع الأعذار وإلزام الحجة من كل وجه. وفي الكشاف أنه سبحانه نبه بقوله تعالى: وكفى بربك إلخ على أن الذنوب هي الأسباب المهلكة لا غير، وبيانه كما في الكشف أنه جل شأنه لما عقب إهلاكهم بعلمه بالذنوب علما أتم دل على أنه تعالى جازاهم بها وإلا لم ينتظم الكلام، وأما الحصر فلأن غيرها لو كان له مدخل كان الظاهر ذكره في معرض الوعيد ثم لا يكون السبب تاما ويكون الكلام ناقصا عن أداء المقصود فلزم الحصر وهو المطلوب، ولا أرى كلامه خاليا عن دسيسة اعتزال تظهر بالتأمل، ولعله لذلك لم يتعرض له العلامة البيضاوي

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية