الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله : ( يسألونك عن الساعة ) . فقال بعضهم : عني بذلك قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش ، [ ص: 292 ] وكانوا سألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :

15462 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك قرابة ، فأسر إلينا متى الساعة! فقال الله : ( يسألونك كأنك حفي عنها ) .

وقال آخرون : بل عني به قوم من اليهود .

ذكر من قال ذلك :

15463 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال جبل بن أبي قشير ، وشمول بن زيد ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا كما تقول ، فإنا نعلم متى هي؟ فأنزل الله تبارك وتعالى : ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي ) ، إلى قوله : ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .

15464 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن طارق بن شهاب قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن الساعة حتى نزلت : ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) . [ ص: 293 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن قوما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فأنزل الله هذه الآية . وجائز أن يكون كانوا من قريش وجائز أن يكونوا كانوا من اليهود ; ولا خبر بذلك عندنا يجوز قطع القول على أي ذلك كان .

قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذا : يسألك القوم الذين يسألونك عن الساعة ( أيان مرساها ) ؟ يقول : متى قيامها؟

ومعنى "أيان" : متى ، في كلام العرب ، ومنه قول الراجز :

أيان تقضي حاجتي أيانا أما ترى لنجحها إبانا



ومعنى قوله : ( مرساها ) ، قيامها ، من قول القائل : "أرساها الله فهي مرساة" ، و"أرساها القوم" ، إذا حبسوها ، و"رست هي ، ترسو رسوا" .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

15465 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : [ ص: 294 ] حدثنا أسباط ، عن السدي : ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) ، : يقول متى قيامها .

15466 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) ، : متى قيامها؟

وقال آخرون : معنى ذلك : منتهاها ، وذلك قريب المعنى من معنى من قال : معناه : "قيامها" ، لأن انتهاءها ، بلوغها وقتها . وقد بينا أن أصل ذلك : الحبس والوقوف .

ذكر من قال ذلك :

15467 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) ، يعني : منتهاها .

وأما قوله : ( قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ) ، فإنه أمر من الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يجيب سائليه عن الساعة بأنه لا يعلم وقت قيامها إلا الله الذي يعلم الغيب ، وأنه لا يظهرها لوقتها ولا يعلمها غيره جل ذكره ، كما : -

15468 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ) ، يقول : علمها عند الله ، هو يجليها لوقتها ، لا يعلم ذلك إلا الله .

15469 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( لا يجليها ) ، : يأتي بها .

15470 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال مجاهد : ( لا يجليها ) ، قال : لا يأتي بها إلا هو . [ ص: 295 ]

15471 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( لا يجليها لوقتها إلا هو ) ، يقول : لا يرسلها لوقتها إلا هو .

التالي السابق


الخدمات العلمية