الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فروع الأول ) قال في المدونة : ومن قال أنا أضرب بمالي أو بشيء منه بعينه حطيم الكعبة أو الركن فعليه حجة أو عمرة ، ولا شيء عليه في ماله ، وكذلك لو قال أنا أضرب بكذا الركن الأسود فليحج أو يعتمر ، ولا شيء عليه إن لم يرد حملان ذلك الشيء على عنقه ، قال ابن القاسم وكذلك هذه الأشياء ابن يونس ، قال ابن المواز وإن أراد حملانه وكان يقوى على حمله فكذلك يحج أو يعتمر راكبا ، ولا شيء عليه ، فإن كان مما لا يقوى على حمله مشى وأهدى ، وقال ابن حبيب إذا قال : أنا أضرب بكذا لشيء من ماله الركن الأسود أو الكعبة وأراد حمله على عنقه مشى إلى البيت في حج أو عمرة وأهدى ، فلا يحمله ، ثم يدفع ما سمى إن كان لا يبلغ ثمن هدي إلى خزنة الكعبة يصرف في مصالحها ، وقاله ابن القاسم ، انتهى . ونقله أبو الحسن ، وقال انظر الهدي هنا خفيف انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن يونس معنى قوله : أضرب بمالي حطيم الكعبة ، أي أسير به وأسافر به إلى الكعبة ، ومن ذلك قوله تعالى [ ص: 340 ] { وإذا ضربتم في الأرض } أي سافرتم ، ومنه قولهم : ضرب المقارض بالمال ; لأنه يسير به ويضرب في الأرض لابتغاء الرزق ولم يرد به ما عند الناس من الضرب بماله الكعبة ; لأن ذلك استخفاف من فاعله وغير ما أمر به من التعظيم لها ، انتهى . ونقله أبو الحسن ، وقال بعده : وحمل اللخمي هذا على الضرب حقيقة ، قال : ظاهره نذر معصية لا شيء فيه ، ولكنه يحتمل أن يريد الضرب الذي هو السير ; لأنه لفظ مشترك ، انتهى . وقال قبله : قوله هنا يناقض ما قال فيمن قال علي الانطلاق إلى مكة ; لأن القائل أنا أضرب قد عبر بلفظ بغير لفظ المشي إلى مكة ، وبغير لفظ الركوب الذي اختلف فيه قوله الشيخ ، والفرق بينهما أنه هنا ذكر البيت أو بعضه ، وهناك إنما ذكر مكة ، وهي مشتملة على البيت وغيره ، فلو كان هناك أضاف السير والذهاب إلى البيت لقال مثل ما قال هنا يلزمه انتهى . فتحصل أنه إذا قال : أضرب بكذا في البيت أو جزء منه أنه إن أراد الضرب الحقيقي ، فلا يلزمه شيء ; لأنه معصية ، وإن أراد السير أو لم تكن له نية ، فإن لم ينو حمله حج أو اعتمر راكبا ، ولا شيء عليه ، وإن أراد حمله فعند ابن المواز يفصل فيه إن كان يقوى عليه فمثل الأول وإلا مشى وأهدى ، وعند ابن حبيب يمشي ويهدي ويدفع ما سمى إن لم يبلغ ثمن هدي لخزنة الكعبة والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) ورد في الحديث الصحيح { لولا حداثة قومك بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله } قال القرطبي كنز الكعبة المال المجتمع مما يهدى إليها بعد نفقة ما تحتاج إليه ، وليس من كنز الكعبة ما تحلى به من الذهب والفضة كما ظنه بعضهم ، فإن ذلك ليس بصحيح ; لأن حليتها حبس عليها كحصرها وقناديلها لا يجوز صرفها في غيرها ، وحكم حليها حكم حلية السيف والمصحف المحبسين ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية