الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( مسألة ) قال في المسائل الملقوطة : وحكم ما زيد في مسجده عليه الصلاة والسلام حكم المزيد فيه في الفضل ، ثم ذكر أحاديث ورواية عن مالك في ذلك ، ونقل ذلك عن تسهيل المهمات لوالده ، ونص كلامه وحكم ما زيد في مسجده صلى الله عليه وسلم حكم المزيد في الفضل لأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم ، وآثار عن عمر ، وأبي هريرة رضي الله عنهما مصرحة بذلك ، ذكرها المؤرخون في كتبهم والله أعلم بصحتها ، قال عمر رضي الله عنه لما فرغ من بناء المسجد ، ومن زيادته لو انتهى بناؤه إلى الجبانة لكان الكل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لو زيد في هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي } ، وعن ابن أبي ذؤيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لو مد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحليفة لكان منه ، وقال عمر بن أبي بكر الموصلي : بلغني عن ثقات { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما زيد في مسجدي فهو منه ، ولو بلغ ما بلغ } ومذهب الأئمة الثلاثة حكم الزيادة حكم المزيد فيه ، وصرح به الشافعية غير النووي ، فذكر أن مضاعفة الصلاة تختص بمسجده القديم ، ثم ذكر الفقيه محب الدين الطبري في كتاب الأحكام في الحديث أن النووي رجع عن ذلك ، وقال ابن تيمية في منسك الحج : حكم الزيادة حكم المزيد فيه في جميع الأحكام ، ونقل أبو محمد عبد الله بن فرحون في شرح مختصر الموطإ له أنه وقف على كتاب من كتب المالكية فيه أن مالكا رحمه الله سئل عن ذلك ، فقيل له : هل الصلاة فيما زيد في مسجده عليه الصلاة والسلام كالصلاة في المزيد فيه من الفضل ، فقال : ما أراه عليه السلام أشار بقوله : صلاة في مسجدي هذا إلا لما سيكون من مسجده بعده ، وإن الله تعالى أطلعه على ذلك حتى أشار إليه ، انتهى .

                                                                                                                            ويحتمل أنه أشار بقوله هذا إلى إخراج ما عداه من مساجده التي تنسب إليه كمسجد قباء ومسجد ذي الحليفة ومسجد العيد ومسجد الفتح وغيرها ، انتهى من تسهيل المهمات ، وذكر ذلك والده في باب صلاة الجماعة في شرح قول ابن الحاجب ، ولا تعاد صلاة جماعة مع واحد فأكثر ، وقال السيد السمهودي الشافعي في تاريخ المدينة المسمى خلاصة الوفا لما تكلم في تخصيص المضاعفة بالمسجد النبوي الأصلي وعمومها لما زيد فيه ، وقد سئل مالك عن ذلك فيما قاله ابن نافع صاحبه ، فقال : بل هو يعني المسجد الذي جاء فيه على ما هو عليه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده وزويت له الأرض فرأى مشارقها ومغاربها وتحدث بما يكون بعده ، ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الراشدون أن يزيدوا فيه بحضرة الصحابة ولم ينكر عليهم ذلك منكر قال السيد : انتهى . يعني كلام مالك ، ثم قال بعد ذلك بل نقل البرهان ابن فرحون أنه لم يخالف في ذلك إلا النووي ، انتهى . وقال ابن فرحون في تبصرته في الفصل السادس من القسم الأول : ونسبة المحراب إليه صلى الله عليه وسلم كنسبة جميع [ ص: 346 ] المسجد إليه فيقال : مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو زيد فيه ، وقال العلماء : إن الصلاة تضاعف فيما زيد فيه كما تضاعف في المسجد القديم ، ولما زاد عمر رضي الله عنه في المسجد من ناحية القبلة ونقل محل الإمام إلى تلك الزيادة وكان فيها محراب واستشهد رضي الله عنه في ذلك المحراب ، ثم زاد بعده عثمان من ناحية القبلة أيضا ، وأيضا انتقل محل الإمام إلى المحراب الذي في القبلة الآن ، وهو محراب عثمان ، وكان في أيام مالك يصلي الإمام في محراب عثمان ، فلما قل الناس رجعوا إلى محراب النبي صلى الله عليه وسلم الذي بين القبر والمنبر ، انتهى والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية