الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب صفة جسده الشريف صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              أفرد الحافظ أبو الخطاب ابن دحية كتابا سماه : «الآيات البينات فيما في أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعجزات» وسأذكر خلاصته في المعجزات مع زوائد كثيرة ، والمقصود منه هنا بيان صفة جسده الشريف صلى الله عليه وسلم فقط وقد أذكر شيئا من الآيات لزيادة الفائدة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 4 ] [ ص: 5 ] الباب الأول في حسنه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              أعلم - رحمني الله وإياك - أن الله سبحانه وتعالى أنشأ النفوس مختلفة ، فمنها الغاية في جودة الجوهر ، ومنها المتوسط ، ومنها الكدر . وفي كل مرتبة درجات . فالأنبياء صلى الله عليهم وسلم هم الغاية ، خلقت أبدانهم سليمة من العيب فصلحت لحلول النفس الكاملة ، ثم يتفاوتون . فكان نبينا صلى الله عليه وسلم أصلح الأنبياء مزاجا وأكملهم بدنا وأصفاهم روحا ، وبمعرفة ما نذكره من صفاته صلى الله عليه وسلم وأخلاقه يتبين ذلك إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال : لم أر شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم . البراء بفتحتين مخففا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال رجل من الصحابة رضي الله تعالى عنهم : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو رجل حسن الجسم .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت أم معبد رضي الله تعالى عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل الناس [وأبهاه] من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب .

                                                                                                                                                                                                                              رواهما البيهقي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال جابر بن سمرة - بسين مهملة مفتوحة فميم مضمومة فراء- رضي الله تعالى عنه :

                                                                                                                                                                                                                              رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه والقمر فلهو أحسن في عيني من القمر .

                                                                                                                                                                                                                              رواه الترمذي والنسائي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال البراء رضي الله تعالى عنه : ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              رواه مسلم وأبو داود .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس صفة وأجملها .

                                                                                                                                                                                                                              رواه أبو الحسن بن الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال طارق بن عبيد رضي الله تعالى عنه : أقبلنا ومعنا ظعينة حتى نزلنا قريبا من [ ص: 6 ] المدينة ، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت الظعينة : ما رأيت وجها أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              رواه إبراهيم الحربي في غريبه وأبو الحسن بن الضحاك في الشمائل وابن عساكر .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو إسحاق الهمداني - وهو بفتح الهاء وسكون الميم ودال مهملة- لامرأة حجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : شبهيه لي : قالت : كالقمر ليلة البدر ولم أر قبله ولا بعده مثله .

                                                                                                                                                                                                                              رواه يعقوب بن سفيان .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر للربيع بنت معوذ رضي الله تعالى عنها :

                                                                                                                                                                                                                              صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا بني لو رأيته لقلت الشمس طالعة .

                                                                                                                                                                                                                              رواه الدارمي ويعقوب .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطيبي رحمه الله تعالى : قولها : «لقلت الشمس طالعة» أي لرأيت شمسا طالعة ، جردت من نفسه الشريفة شمسا وهي هي ، نحو قولك : لئن لقيته لتلقين أسدا ، وإذا نظرت إليه لم تر إلا أسدا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه : ما رأيت شيئا قط أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري . وفي لفظ : تخرج من وجهه .

                                                                                                                                                                                                                              رواه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان وبقي بن مخلد . وسنده على شرط صحيح مسلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطيبي : شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه صلى الله عليه وسلم . ومنه قول الشاعر : [ ص: 7 ]

                                                                                                                                                                                                                              يزيدك وجهه حسنا إذا ما زدته نظرا

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أيضا عكس التشبيه للمبالغة . ويجوز أن يقدر الخبر الاستقرار ، فيكون من باب تناسي التشبيه ، فجعل وجهه صلى الله عليه وسلم مقرا ومكانا لها . ويحتمل أن يكون فيه تناهي التشبيه جعل وجهه مقرا ومكانا للتشبيه .

                                                                                                                                                                                                                              ولله در القائل :


                                                                                                                                                                                                                              لم لا يضيء بك الوجود وليله     فيه صباح من جمالك مسفر
                                                                                                                                                                                                                              فبشمس حسنك كل يوم مشرق     وببدر وجهك كل ليل مقمر

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شمس قط إلا غلب ضوؤه ضوء الشمس ، ولم يقم مع سراج قط ، إلا غلب ضوؤه ضوء السراج .

                                                                                                                                                                                                                              رواه ابن الجوزي .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت أم معبد رضي الله تعالى عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيما قسيما .

                                                                                                                                                                                                                              رواه الحارث بن أبي أسامة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أنس رضي الله تعالى عنه : كل شيء حسن قد رأيت ، فما رأيت شيئا قط أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              رواه ابن عساكر .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو قرصافة- بكسر القاف وسكون الراء بعدها مهملة وفاء- واسمه جندرة- بفتح أوله ثم نون ساكنة ثم مهملة مفتوحة- ابن خيشنة بمعجمة ثم تحتانية ثم معجمة ثم نون رضي الله تعالى عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الوجه ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفارع الجسم .

                                                                                                                                                                                                                              رواه ابن عساكر .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية