الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            باب زكاة النقد أصل النقد لغة الإعطاء ، ثم أطلق على المنقود من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول ، وللنقد إطلاقان : أحدهما على ما يقابل العرض والدين فشمل المضروب وغيره وهو المراد هنا .

                                                                                                                            والثاني على المضروب خاصة ، [ ص: 84 ] والناض له إطلاقان أيضا كالنقد .

                                                                                                                            والأصل في الباب قبل الإجماع مع ما يأتي قوله تعالى { والذين يكنزون الذهب والفضة } والكنز ما لم تؤد زكاته ، والنقدان من أشرف نعم الله تعالى على عباده إذ بهما قوام الدنيا ونظام أحوال الخلق ، لأن حاجات الناس كثيرة ، وكلها تنقضي بهما بخلاف غيرهما من الأموال ، فمن كنزهما فقد أبطل الحكمة التي خلقا لها كمن حبس قاضي البلد ومنعه أن يقضي حوائج الناس ( نصاب الفضة مائتا درهم ، ونصاب الذهب عشرون مثقالا ) بالإجماع ، وقدم الفضة على الذهب ; لأنها أغلب ، ويعتبر ذلك ( بوزن مكة ) تحديدا ، فلو نقص في ميزان ، وتم في أخرى فلا زكاة للشك وإن راج رواج التام ، ولا بعد في ذلك مع التحديد لاختلاف خفة الموازين باختلاف حذف صانعيها لخبر { المكيال مكيال المدينة ، والوزن وزن مكة ، والمثقال لم يتغير جاهلية ولا إسلاما } وهو اثنان وسبعون شعيرة معتدلة لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال ، والمراد بالدراهم الإسلامية التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل ، وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان ، وكانت مختلفة في الجاهلية ، ثم ضربت على هذا الوزن في زمن عمر أو عبد الملك بن مروان وأجمع عليه المسلمون .

                                                                                                                            قال الأذرعي كالسبكي : ويجب اعتقاد أنها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز الإجماع على غير ما كان في زمنه وزمن خلفائه [ ص: 85 ] الراشدين ، ويجب تأويل خلاف ذلك ، ووزن الدراهم ستة دوانق ، والدانق ثمان حبات وخمسا حبة ، ومتى زيد عليه ثلاثة أسباعه كان مثقالا ، ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما .

                                                                                                                            قال بعض المتأخرين : ودرهم الإسلام المشهور اليوم ستة عشر قيراطا وأربعة أخماس قيراط بقراريط الوقت .

                                                                                                                            قال الشيخ : ونصاب الذهب بالأشرفي خمسة وعشرون وسبعان وتسع ، ومراده بالأشرفي فيما يظهر القايتباي ، وبه يعلم النصاب بما على وزنه من المعاملة الحادثة الآن ، على أنه حدث تغيير في المثقال لا يوافق شيئا مما مر فليتنبه لذلك ، ولا وقص فيهما كالمعشرات بل ما زاد على النصاب فبحسابه كما في المحرر ولو بعض حبة لإمكان التجزؤ بلا ضرر بخلاف المواشي

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( باب زكاة النقد )

                                                                                                                            ( قوله : ثم أطلق ) أي لغة أيضا ( قوله : وللنقد إطلاقان ) أي في عرف الفقهاء غرضه من هذه العبارة دفع اعتراض بعض الشراح بأن الأولى أن يقول باب الزكاة الذهب والفضة ليشمل التبر والقراضة والسبائك والنقد [ ص: 84 ] بناء على أنه اسم للمضروب خاصة ( قوله : والناض له إطلاقان أيضا ) أي من الذهب والفضة ( قوله : والكنز مال لم تؤد زكاته ) هذا تفسير مراد ، وإلا فالكنز لغة المال المدفون ، فكأنه شبه المال الذي تؤد زكاته بالمال المدفون الذي لا ينتفع به حال دفنه ( قوله بوزن مكة تحديدا ) أي يقينا ليظهر قوله فلو نقص إلخ .

                                                                                                                            [ فرع ] ابتلع نصابا ومضى عليه حول فهل تلزمه زكاته ؟ فيه نظر ، ولا يبعد أنه كالغائب فتجب فيه الزكاة ولا يلزم أداؤها حتى يخرج ، فلو تيسر إخراجه بنحو دواء فهل يلزمه لأداء الزكاة والإنفاق منه على ممونه وأداء دين حال طولب به ؟ فيه نظر ، ويتجه فيما لو تيسر إخراجه بلا ضرر أن يلزمه أداء الزكاة في الحال ، ولو قبل إخراجه كما في دينه الحال على موسر مقر ، وأن يلزمه إخراجه لنفقة الممون والدين ، فلو مات قبل إخراجه فقد يتجه أن يقال : إن كان تيسر له إخراجه بلا ضرر فتركه استحقت الزكاة عليه فتخرج من تركته ولا يشق جوفه ، وإن كان لم يتيسر له إخراجه كذلك لم يجب الإخراج من تركته ، بل إن خرج ولو بالتعدي بشق جوفه وجبت تزكيته وإلا فلا سم على حج .

                                                                                                                            قال شيخنا العلامة الشوبري : أقول : ابتلاعه قريب من وقوعه في البحر ، وقد صرحوا في المبيع قبل قبضه بأنه تلف فليكن هنا كذلك ، ويفرق بينه وبين الغائب بأنه يمكن التصرف فيه في الجملة وهو باق بيده ولا كذلك بعد الابتلاع انتهى .

                                                                                                                            أقول : قد يفرق بأن ما في البحر مأيوس منه عادة فأشبه التالف ، والذي ابتلعه يمكن خروجه بل هو قريب باستعماله الدواء بل يغلب خروجه ; لأنه ما لا تحيله المعدة فأشبه الغائب كما ذكر سم ( قوله وتم في أخرى ) عبارة المختار : الميزان معروف ا هـ ومقتضاه أنه مذكر ( قوله : والمراد بالدراهم الإسلامية ) أي الدراهم الإسلامية التي إلخ ( قوله : وكانت مختلفة في الجاهلية ) قال في شرح البهجة الكبير بعد مثل ما ذكر ما نصه : قال الرافعي : وسببه أن التعامل غالبا في عصره صلى الله عليه وسلم والصدر الأول بعده كان بالبغلي وهو ثمانية دوانق والطبري وهو نصفها فجمعه وقسما درهمين ا هـ .

                                                                                                                            ثم قال : والطبرية نسبة إلى طبرية قصبة الأردن بالشام ، وتسمى بنصيبين ، والبغلية نسبة إلى البغل لأنه كان عليها صورته ( قوله : ويجب اعتقاد أنها إلخ ) أي الدراهم الآن ( قوله : لأنه لا يجوز الإجماع على غير ما كان في زمنه ) أجيب بأنه بتقدير عدم وجودها لا يضر لما قيل إن الدراهم التي كانت موجودة أولا نوعان أحدهما وزنه ثمانية دوانق ، والآخر أربعة فخلط مجموع الدرهمين وقسم في زمن عمر فصار الدرهم ستة دوانق ، فيحمل ما في الحديث من أن النصاب مائتا درهم على أن كل مائة من [ ص: 85 ] نوع من النوعين اللذين كانا موجودين وهو يساوي المائتين من الدراهم الموجودة الآن ( قوله : وزن الدراهم ستة دوانق ) قال في المصباح : الدانق معرب وهو سدس درهم ، وهو عند اليونان حبتا خرنوب ، وأن الدرهم عندهم اثنتا عشرة حبة خرنوب ، والدانق الإسلامي حبتا خرنوب وثلثا حبة خرنوب ، فإن الدرهم الإسلامي ستة عشر حبة خرنوب وتفتح النون وتكسر ، وبعضهم يقول : الكسر أفصح وجمع المكسور دوانق وجمع المفتوح دوانيق بزيادة ياء ، قاله الأزهري .

                                                                                                                            وقيل كل جمع على فواعل ومفاعل يجوز أن يمد بالياء فيقال فواعيل ومفاعيل ( قوله : والدانق ثمان حبات ) أي فوزن الدرهم خمسون حبة وخمسا حبة ، وسبعه سبع حبات وخمس حبة ، فإذا زيد عليه ثلاثة أسباعه وهي إحدى وعشرون حبة وثلاثة أخماس حبة صار اثنين وسبعين وهي المثقال ( قوله : بقراريط الوقف ) وقيل أربعة عشر قيراطا ، والمثقال أربعة وعشرون قيراطا على الأول وعشرون على الثاني ا هـ حج .

                                                                                                                            ( قوله : خمسة وعشرون ) أي أشرفيا ( قوله : ومراده بالأشرفي فيما يظهر القايتباي ) أي وهو أقل وزنا من الدينار المعروف الآن



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( باب زكاة النقد )

                                                                                                                            ( قوله : لغة الإعطاء ) ظاهره ولو لغير المنقود فليراجع ( قوله : ثم أطلق على المنقود ) لعل المراد به ما يعطى من خصوص الذهب والفضة لا مطلق ما يعطى بدليل قوله بعد وللنقد إطلاق إذ هو كالصريح في أنه ليس له غير هذين الإطلاقين ، على أن الذي نقله في التحفة عن القاموس أنه لغة خاص بالدراهم لا غير [ ص: 84 - 85 ] قوله بقراريط الوقت ) وهي الأربعة والعشرون ( قوله وبه يعلم النصاب بما على وزنه ) عبارة التحفة : وبه يعلم النصاب بدنانير المعاملة الحادثة الآن




                                                                                                                            الخدمات العلمية