الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 127 ] فصل قال ابن الجوزي : ومن علوم الحديث معرفة علله ، وذلك بجمع طرقه وقال أحمد بن حنبل : إذا لم يجمع طرق الحديث لم يفهم ، والحديث يفسر بعضه بعضا .

وقال عبد الرحمن بن مهدي : لأن أعرف علة الحديث هو عندي أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثا ليست عندي ، انتهى كلامه .

وقال سفيان الثوري عن أبيه عن منذر أبي يعلى الثوري عن الربيع قال : إن من الحديث حديثا له ضوء كضوء النهار نعرفه ، وإن من الحديث حديثا له ظلمة كظلمة الليل ننكره ، وقال نعيم بن حماد قلت لعبد الرحمن بن مهدي : كيف تعرف صحيح الحديث من خطئه ؟ فقال : كما يعرف الطبيب المجنون .

وذكر البخاري عن ابن المديني عن ابن مهدي وسأله رجل عن ذلك فقال عبد الرحمن : أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك ، فقال : هذا جيد وهذا مستوق ، وهذا مبهرج ، أكنت تسأله عن ذلك ، أو كنت تسلم الأمر له ؟ قال : بل كنت أسلم الأمر إليه قال : فهذا كذلك لطول المجالسة والمناظرة والخبرة .

وعن ابن مهدي قال : علمنا بصلة الحديث كهانة عند الجاهل وجاء رجل إلى أبي زرعة فقال : ما الحجة في تعليلكم الحديث ؟ فقال : الحجة في ذلك أن تسألني عن حديث له علة فأذكر علته ، ثم تقصد محمد بن مسلم بن وارة فتسأله عنه فيعلله ، ثم تقصد أبا حاتم الرازي فيعلله ، ثم تنظر فإن وجدت بيننا اختلافا في علته فاعلم أن كلا منا تكلم على مراده ، وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم ، ففعل الرجل فاتفقت كلمتهم ، فقال : أشهد أن هذا العلم إلهام رواه الحاكم والبيهقي والخطيب وغيرهم .

وقال أبو زرعة الدمشقي : ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي يقول : كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما نعرض الدرهم المزيف ، فما عرفوا منه أخذنا وما أنكروا منه تركنا .

وقال الأعمش : [ ص: 128 ] كان إبراهيم صيرفي الحديث فكنت إذا سمعت الحديث من بعض أصحابنا أتيته فعرضته عليه .

وقال قبيصة بن عقبة : رأيت زائدة يعرض كتبه على سفيان الثوري ثم التفت إلى رجل في المجلس فقال : ما لك لا تعرض كتبك على الجهابذة كما نعرض ؟

وقال زائدة : كنا نأتي الأعمش فيحدثنا بكثير ، ثم نأتي سفيان الثوري فنذكر له تلك الأحاديث فيقول : ليس هذا من حديث الأعمش فنقول : صدق سفيان ليس هذا من حديث الأعمش فنقول هو حدثناه الساعة فيقول : اذهبوا فقولوا له إن شئتم فنأتي الأعمش فنخبره ، فيقول : صدق سفيان ليس هذا من حديثنا .

وقال ابن معين : لولا الجهابذة كثرت الستوق والزيوف في رواة الشريعة أما تحفظ قول شريح : إن للأثر جهابذة كجهابذة الورق .

وقال الربيع قال الشافعي : لا تستدل على أكثر الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه ، إلا في الخاص القليل من الحديث ، وذلك أن تستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله ، أو يخالفه من هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه .

قال البيهقي : ومن ذلك حديث يحيى بن آدم يعني ما يأتي في العمل بالحديث الضعيف في آداب الدعاء والقراءة ، قال : وإن كانت رواته ثقات . فهو مما لا يجوز أن يكون مثله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بتصديق من أخبر عنه ما لم يقله ، وقد تفرد عنه يحيى بن آدم وهو ثقة ، ولكن اختلف عليه فيه وأرسله بعضهم وهو أشبه ، والخطأ في مراسيل المقبري متوهم .

ثم ذكر البيهقي أحاديث أخر معللة ، إلى أن ذكر الحديث المذكور في آخر الكتاب في كفارة المجلس والله أعلم . وسبق قبل هذا بنحو كراسة في طلب العلم حديث { يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله } .

التالي السابق


الخدمات العلمية