الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب

                                                                                                          1296 حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له فليحتلب وليشرب وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثا فإن أجابه أحد فليستأذنه فإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل قال وفي الباب عن عمر وأبي سعيد قال أبو عيسى حديث سمرة حديث حسن غريب صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحق قال أبو عيسى وقال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة وقالوا إنما يحدث عن صحيفة سمرة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          أي : بغير إذن أرباب المواشي ، وهي جمع الماشية ، قال في القاموس : الماشية : الإبل والغنم . انتهى ، وقال في النهاية : الماشية جمعها المواشي ، وهي اسم يقع على الإبل والبقر والغنم ، وأكثر ما يستعمل في الغنم . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( إذا أتى أحدكم على ماشية ) قال الطيبي رحمه الله : أتى متعد بنفسه ، وعداه بعلى لتضمنه معنى نزل ، وجعل الماشية بمنزلة المضيف ، وفيه معنى حسن التعليل وهذا إذا كان الضيف النازل مضطرا . انتهى . ( فليستأذنه ) بسكون اللام ويجوز كسرها ( فليصوت ) بتشديد الواو أي : فليصح وليناد ( ولا يحمل ) أي : منه شيئا . قوله : ( وفي الباب عن ابن عمر ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه ، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته ، فتكسر خزانته ، فينتقل طعامه ؟ فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم ، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه . أخرجه البخاري ، ومسلم ( وأبي سعيد ) أخرجه ابن ماجه مرفوعا بلفظ : " إذا أتيت على راع فناده ثلاثا فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد " . الحديث ، وذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح ، وقال : أخرجه ابن ماجه والطحاوي ، وصححه ابن حبان والحاكم . قوله : [ ص: 432 ] ( حديث سمرة حديث حسن غريب صحيح ) وأخرجه أبو داود ، قال الحافظ في الفتح : إسناده صحيح إلى الحسن فمن صحح سماعه من سمرة صححه ، ومن لا أعله بالانقطاع ، لكن له شواهد من أقواها حديث أبي سعيد فذكره ، وقد تقدم آنفا . قوله : ( والعمل على هذا عند بعض أهل العلم ، وبه يقول أحمد وإسحاق ) قال القاري قال في شرح السنة : العمل على هذا يعني : على حديث ابن عمر المذكور عند أكثر أهل العلم أنه لا يجوز أن يحلب ماشية الغير بغير إذن إلا إذا اضطر في مخمصة ، ويضمن ، وقيل لا ضمان عليه ؛ لأن الشرع أباحه له ، وذهب أحمد وإسحاق ، وغيرهما إلى إباحته لغير المضطر أيضا إذا لم يكن المالك حاضرا . فإن أبا بكر رضي الله عنه حلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا من غنم رجل من قريش يرعاها عبد له ، وصاحبها غائب في هجرته إلى المدينة ، ولما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أتى أحدكم على ماشية " . الحديث ، وقد رخص بعضهم لابن السبيل في أكل ثمار الغير ، ولما روي عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد غريب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من دخل حائطا ليأكل غير متخذ خبنة فلا شيء عليه .

                                                                                                          وعند أكثرهم لا يباح إلا بإذن المالك إلا بضرورة مجاعة كما سبق ، قال التوربشتي : وحمل بعضهم هذه الأحاديث على المجاعة والضرورة ؛ لأنها لا تقاوم النصوص التي وردت في تحريم مال المسلم . انتهى ، وقال الحافظ في الفتح تحت حديث ابن عمر المذكور قال ابن عبد البر : في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم من المسلم شيئا إلا بإذنه ، وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه ، فنبه على ما هو أولى منه ، وبهذا أخذ الجمهور ، لكن سواء كان بإذن خاص أو إذن عام ، واستثنى كثير من السلف ما إذا علم بطيب نفس صاحبه ، وإن لم يقع منه إذن خاص ، ولا عام ، وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقا في الأكل والشرب سواء علم بطيب نفسه ، أو لم يعلم ، والحجة لهم ما أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وصححه من رواية الحسن عن سمرة مرفوعا : " إذا أتى أحدكم على ماشية " الحديث ، وأجيب عنه بأن حديث النهي أصح وأولى أن يعمل به وبأنه معارض للقواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه فلا يلتفت إليه ، ومنهم من جمع بين الحديثين بوجوه من الجمع . منها - حمل الإذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه ، والنهي على ما إذا لم يعلم ، ومنها - تخصيص الإذن بابن السبيل دون غيره ، أو بالمضطر ، أو بحال المجاعة مطلقا ، وهي متقاربة ، ومنهم من حمل حديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المار . لحديث أبي هريرة : بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبلا مصرورة فثبنا إليها فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين هو قوتهم ، أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذهب؟ قلنا لا ، قال : فإن ذلك كذلك أخرجه أحمد ، وابن ماجه [ ص: 433 ] واللفظ له ، وفي حديث أحمد فابتدرها القوم ليحلبوها قالوا فيحمل حديث الإذن على ما إذا لم يكن المالك محتاجا ، وحديث النهي على ما إذا كان مستغنيا ، ومنهم من حمل الإذن على ما إذا كانت غير مصرورة ، والنهي على ما إذا كانت مصرورة لهذا الحديث ، لكن وقع عند أحمد في آخره : فإن كنتم لا بد فاعلين فاشربوا ، ولا تحملوا . فدل على عموم الإذن في المصرور وغيره لكن بقيد عدم الحمل ، ولا بد منه ، واختار ابن العربي الحمل على العادة قال : وكانت عادة أهل الحجاز والشام ، وغيرهم المسامحة في ذلك بخلاف بلدنا ، وأشار أبو داود في السنن إلى قصر ذلك على المسافر في الغزو ، وآخرون على قصر الإذن على ما كان لأهل الذمة ، والنهي على ما كان للمسلمين ، وقال الطحاوي : وكان ذلك حين كانت الضيافة واجبة ، ثم نسخت فنسخ ذلك الحكم وأورد الأحاديث في ذلك ، وقال النووي في شرح المهذب : اختلف العلماء في من مر ببستان ، أو زرع ، أو ماشية ، قال الجمهور : لا يجوز أن يأخذ منه شيئا إلا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور ، وقال بعض السلف : لا يلزمه شيء ، وقال أحمد : إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة في أصح الروايتين ، ولو لم يحتج لذلك ، وفي الأخرى إذا احتاج ، ولا ضمان عليه في الحالين ، وعلق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث ، قال البيهقي : يعني : حديث ابن عمر مرفوعا : " إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ، ولا يتخذ خبنة " . أخرجه الترمذي واستغربه ، قال البيهقي : لم يصح ، وجاء من أوجه أخر غير قوية قال الحافظ : والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح ، وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها . انتهى كلام الحافظ مختصرا . قوله : ( وقال علي بن المديني : سماع الحسن من سمرة صحيح ، وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة وقالوا إنما يحدث عن صحيفة سمرة ) وقال الترمذي في باب كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة : سماع الحسن من سمرة صحيح ، هكذا قال علي بن المديني ، وغيره . انتهى . قال الحافظ في تهذيب التهذيب : وأما رواية الحسن عن سمرة بن جندب ففي صحيح البخاري سماعا منه لحديث العقيقة ، وقد روى عنه نسحة كبيرة غالبها في السنن الأربعة وعند علي بن المديني أن كلها سماع ، وكذا حكى الترمذي عن البخاري ، وقال يحيى القطان وآخرون : هي كتاب ، وذلك لا يقتضي الانقطاع ، وفي مسند أحمد حدثنا هشيم عن حميد الطويل ، وقال جاء رجل إلى الحسن فقال : إن عبدا له أبق ، وإنه نذر إن يقدر عليه أن يقطع يده ، فقال الحسن : حدثنا سمرة قال قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمر فيها بالصدقة ، ونهى عن المثلة ، وهذا يقتضي سماعه منه لغير حديث العقيقة ، وقال أبو داود عقب حديث سليمان بن سمرة عن أبيه في الصلاة : دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة ، قال الحافظ : ولم يظهر لي وجه الدلالة بعد . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية