الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 23 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ( 5 ) )

قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض ( هو الذي جعل الشمس ضياء ) ، بالنهار ( والقمر نورا ) بالليل . ومعنى ذلك : هو الذي أضاء الشمس وأنار القمر ( وقدره منازل ) ، يقول : قضاه فسواه منازل ، لا يجاوزها ولا يقصر دونها ، على حال واحدة أبدا .

وقال : ( وقدره منازل ) ، فوحده ، وقد ذكر " الشمس " و " القمر " ، فإن في ذلك وجهين :

أحدهما : أن تكون " الهاء " في قوله : ( وقدره ) للقمر خاصة ، لأن بالأهلة يعرف انقضاء الشهور والسنين ، لا بالشمس .

والآخر : أن يكون اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر ، كما قال في موضع آخر : ( والله ورسوله أحق أن يرضوه ) ، [ سورة التوبة : 62 ] ، وكما قال الشاعر :


رماني بأمر كنت منه ووالدي بريا ، ومن جول الطوي رماني

[ ص: 24 ]

وقوله : ( لتعلموا عدد السنين والحساب ) ، يقول : وقدر ذلك منازل ( لتعلموا ) ، أنتم أيها الناس ( عدد السنين ) ، دخول ما يدخل منها ، أو انقضاء ما يستقبل منها وحسابها ، يقول : وحساب أوقات السنين ، وعدد أيامها ، وحساب ساعات أيامها ( ما خلق الله ذلك إلا بالحق ) ، يقول جل ثناؤه : لم يخلق الله الشمس والقمر ومنازلهما إلا بالحق . يقول الحق ، تعالى ذكره : خلقت ذلك كله بحق وحدي ، بغير عون ولا شريك ( يفصل الآيات ) يقول : يبين الحجج والأدلة ( لقوم يعلمون ) ، إذا تدبروها ، حقيقة وحدانية الله وصحة ما يدعوهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم ، من خلع الأنداد ، والبراءة من الأوثان .

التالي السابق


الخدمات العلمية