الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )

قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : للذين أحسنوا عبادة الله في الدنيا من خلقه ، فأطاعوه فيما أمر ونهى ، ( الحسنى ) .

ثم اختلف أهل التأويل في معنى " الحسنى " ، و " الزيادة " اللتين وعدهما المحسنين من خلقه .

فقال بعضهم : " الحسنى " هي الجنة ، جعلها الله للمحسنين من خلقه جزاء " والزيادة عليها " ، النظر إلى الله .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 63 ]

17610 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : النظر إلى وجه ربهم .

17611 - حدثنا سفيان قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن قيس عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن سعيد بن نمران عن أبي بكر : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : النظر إلى وجه الله .

17612 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان [ ص: 64 ] عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : النظر إلى وجه ربهم .

17613 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد قال : في هذه الآية : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : " الزيادة " النظر إلى وجه الرحمن .

17614 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم بن نذير عن حذيفة : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال : النظر إلى وجه ربهم .

17615 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا شريك قال : سمعت أبا إسحاق يقول في قول الله : ( وزيادة ) ، قال : النظر إلى وجه الرحمن .

17616 - حدثني علي بن عيسى قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا أبو بكر الهذلي قال : سمعت أبا تميمة الهجيمي يحدث عن أبي موسى الأشعري قال : إذا كان يوم القيامة بعث الله إلى أهل الجنة مناديا ينادي : " هل أنجزكم الله ما وعدكم ؟ " فينظرون إلى ما أعد الله لهم من الكرامة ، فيقولون : نعم . فيقول : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) النظر إلى وجه الرحمن .

17617 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن [ ص: 65 ] المبارك عن أبي بكر الهذلي قال : أخبرنا أبو تميمة الهجيمي قال : سمعت أبا موسى الأشعري يخطب على منبر البصرة يقول : إن الله يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة فيقول : " يا أهل الجنة ، هل أنجزكم الله ما وعدكم ؟ " فينظرون ، فيرون الحلي والحلل والثمار والأنهار والأزواج المطهرة ، فيقولون : " نعم ، قد أنجزنا الله ما وعدنا ؟ " ثم يقول الملك : " هل أنجزكم الله ما وعدكم؟ " ثلاث مرات ، فلا يفقدون شيئا مما وعدوا ، فيقولون : " نعم " ، فيقول : " قد بقى لكم شيء ، إن الله يقول : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ألا إن الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله " .

17618 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني شبيب عن أبان عن أبي تميمة الهجيمي : أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي أهل الجنة بصوت يسمعه أولهم وآخرهم : " إن الله وعدكم الحسنى وزيادة ، فالحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن " . [ ص: 66 ]

17619 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال : النظر إلى وجه ربهم . وقرأ : ( ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة ) ، قال : بعد النظر إلى وجه ربهم .

17620 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك عن سليمان بن المغيرة قال : أخبرنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله : ( وزيادة ) ، قال : قيل له : أرأيت قوله : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال : إن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة فأعطوا فيها ما أعطوا من الكرامة والنعيم ، قال : نودوا : " يا أهل الجنة ، إن الله قد وعدكم الزيادة ، فيتجلى لهم " قال ابن أبي ليلى : فما ظنك بهم حين ثقلت موازينهم ، وحين صارت الصحف في أيمانهم ، وحين جاوزوا جسر جهنم ودخلوا الجنة ، وأعطوا فيها ما أعطوا من الكرامة والنعيم ؟ كل ذلك لم يكن شيئا فيما رأوا! .

17621 - . . . . . . . قال : حدثنا ابن المبارك عن معمر وسليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : النظر إلى وجه ربهم .

17622 - . . . . قال : حدثنا الحجاج ومعلى بن أسد قالا حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة قال لهم : إنه قد بقي من حقكم شيء لم تعطوه . قال : فيتجلى لهم تبارك وتعالى . قال : فيصغر عندهم كل شيء أعطوه . قال : ثم قال : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه ربهم ، ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة بعد ذلك . [ ص: 67 ]

17623 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، النظر إلى وجه الله .

17624 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا هوذة قال : حدثنا عوف عن الحسن في قول الله : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، النظر إلى الرب .

17625 - حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نودوا : " يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدا " قالوا : ما هو ؟ ألم تبيض وجوهنا ، وتثقل موازيننا ، وتدخلنا الجنة ، وتنجنا من النار ؟ فيكشف الحجاب ، فيتجلى لهم ، فوالله ما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه ولفظ الحديث لعمرو .

17626 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : " يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه " . فيقولون : " وما هو ؟ ألم يثقل الله موازيننا ، ويبيض وجوهنا ؟ ثم ذكر سائر الحديث نحو حديث عمرو بن علي وابن بشار عن عبد الرحمن . [ ص: 68 ]

17627 - . . . . قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن سعيد بن نمران عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى .

17628 - . . . . قال : حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد مثله .

17629 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : قوله : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، بلغنا أن المؤمنين لما دخلوا الجنة ناداهم مناد : إن الله وعدكم الحسنى وهي الجنة ، وأما الزيادة ، فالنظر إلى وجه الرحمن .

17630 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة مثله .

17631 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : الزيادة ، النظر إلى وجه الرحمن تبارك وتعالى . [ ص: 69 ]

17632 - . . . . قال : حدثنا جرير عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط قال : " الحسني " النضرة و " الزيادة " النظر إلى وجه الله .

17633 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال : سمعت زهيرا عمن سمع أبا العالية قال : حدثنا أبي بن كعب : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قول الله ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : الحسنى : الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله .

وقال آخرون في " الزيادة " ، بما :

17634 - حدثنا به يحيى بن طلحة قال : حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن الحكم عن علي رضي الله عنه : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : " الزيادة " غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب .

17635 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام عن عمرو عن منصور عن الحكم عن علي رضي الله عنه ، نحوه ، إلا أنه قال : فيها أربعة أبواب .

17636 - . . . . قال : حدثنا جرير عن منصور عن الحكم بن عتيبة عن علي رضي الله عنه ، مثل حديث يحيى بن طلحة عن فضيل ، سواء . [ ص: 70 ]

وقال آخرون : " الحسنى " واحدة من الحسنات بواحدة و " الزيادة " التضعيف إلى تمام العشر .

ذكر من قال ذلك .

17637 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : هو مثل قوله : ( ولدينا مزيد ) ، [ سورة ق : 35 ] ، يقول : يجزيهم بعملهم ، ويزيدهم من فضله . وقال : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ) ، [ سورة الأنعام : 160 ] .

17638 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه ، عن علقمة بن قيس : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال قلت : هذه الحسنى ، فما الزيادة ؟ قال : ألم تر أن الله يقول : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) ؟

17639 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : كان الحسن يقول في هذه الآية : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : الزيادة بالحسنة عشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف .

وقال آخرون : " الحسنى " حسنة مثل حسنة و " الزيادة " زيادة مغفرة من الله ورضوان .

ذكر من قال ذلك :

17640 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( للذين أحسنوا الحسنى ) مثلها حسنى " وزيادة " ، مغفرة ورضوان .

وقال آخرون : " الزيادة " ، ما أعطوا في الدنيا . [ ص: 71 ]

ذكر من قال ذلك :

17641 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، قال : " الحسنى " الجنة " وزيادة " ما أعطاهم في الدنيا ، لا يحاسبهم به يوم القيامة . وقرءوا : ( وآتيناه أجره في الدنيا ) ، [ سورة العنكبوت : 27 ] ، قال : ما آتاه مما يحب في الدنيا ، عجل له أجره فيها .

وكان ابن عباس يقول في قوله : ( للذين أحسنوا الحسنى ) ، بما :

17642 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله : ( للذين أحسنوا الحسنى ) ، يقول : للذين شهدوا أن لا إله إلا الله .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تبارك وتعالى وعد المحسنين من عباده على إحسانهم الحسنى ، أن يجزيهم على طاعتهم إياه الجنة ، وأن تبيض وجوههم ، ووعدهم مع الحسنى الزيادة عليها . ومن الزيادة على إدخالهم الجنة أن يكرمهم بالنظر إليه ، وأن يعطيهم غرفا من لآلئ ، وأن يزيدهم غفرانا ورضوانا ، كل ذلك من زيادات عطاء الله إياهم على الحسنى التي جعلها الله لأهل جناته . وعم ربنا جل ثناؤه بقوله : ( وزيادة ) ، الزيادات على " الحسنى " فلم يخصص منها شيئا دون شيء ، وغير مستنكر من فضل الله أن يجمع ذلك لهم ، بل ذلك كله مجموع لهم إن شاء الله . فأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يعم ، كما عمه عز ذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية