الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض

                                                                                                                65 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار جميعا عن محمد بن جعفر عن شعبة ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ واللفظ له حدثنا أبي حدثنا شعبة عن علي بن مدرك سمع أبا زرعة يحدث عن جده جرير قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع استنصت الناس ثم قال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله [ ص: 242 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 242 ] قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) قيل في معناه سبعة أقوال : أحدها : أن ذلك كفر في حق المستحل بغير حق ، والثاني : المراد كفر النعمة وحق الإسلام ، والثالث : أنه يقرب من الكفر ويؤدي إليه ، والرابع : أنه فعل كفعل الكفار ، والخامس : المراد حقيقة الكفر ومعناه لا تكفروا بل دوموا مسلمين ، والسادس : حكاه الخطابي وغيره أن المراد بالكفار المتكفرون بالسلاح ، يقال تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه . قال الأزهري في كتابه " تهذيب اللغة " يقال للابس السلاح كافر ، والسابع : قاله الخطابي معناه لا يكفر بعضكم بعضا فتستحلوا قتال بعضكم بعضا .

                                                                                                                وأظهر الأقوال الرابع وهو اختيار القاضي عياض - رحمه الله - . ثم إن الرواية ( يضرب ) برفع الباء هكذا هو الصواب ، وكذا رواه المتقدمون والمتأخرون ، وبه يصح المقصود هنا . ونقل القاضي عياض - رحمه الله - أن بعض العلماء ضبطه بإسكان الباء قال القاضي : وهو إحالة للمعنى ، والصواب الضم . قلت : وكذا قال أبو البقاء العكبري أنه يجوز جزم الباء على تقدير شرط مضمر أي إن ترجعوا يضرب . والله أعلم .

                                                                                                                وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا ترجعوا بعدي كفارا ) فقال القاضي قال الصبري : معناه بعد فراقي من موقفي هذا ، وكان هذا يوم النحر بمنى في حجة الوداع ، أو يكون بعدي أي خلافي أي لا تخلفوني في أنفسكم بغير الذي أمرتكم به ، أو يكون تحقق - صلى الله عليه وسلم - أن هذا لا يكون في حياته فنهاهم عنه بعد مماته .

                                                                                                                وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( استنصت الناس ) معناه مرهم بالإنصات ليسمعوا هذه الأمور المهمة والقواعد التي سأقررها لكم وأحملكموها .

                                                                                                                وقوله ( في حجة الوداع ) سميت بذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودع الناس فيها وعلمهم في خطبته فيها أمر دينهم ، وأوصاهم بتبليغ الشرع فيها إلى من غاب عنها ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ليبلغ الشاهد منكم الغائب والمعروف في الرواية حجة الوداع بفتح الحاء . وقال الهروي وغيره من أهل اللغة : المسموع من العرب في واحدة الحجج حجة بكسر الحاء ، قالوا : والقياس فتحها لكونها اسما [ ص: 243 ] للمرة الواحدة وليست عبارة عن الهيئة حتى تكسر . قالوا : فيجوز الكسر بالسماع والفتح بالقياس .




                                                                                                                الخدمات العلمية