الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في القاضي كيف يقضي

                                                                                                          1327 حدثنا هناد حدثنا وكيع عن شعبة عن أبي عون الثقفي عن الحارث بن عمرو عن رجال من أصحاب معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال كيف تقضي فقال أقضي بما في كتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أجتهد رأيي قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي قالا حدثنا شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو ابن أخ للمغيرة بن شعبة عن أناس من أهل حمص عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال أبو عيسى هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل وأبو عون الثقفي اسمه محمد بن عبيد الله [ ص: 464 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 464 ] قوله : ( عن أبي عون ) اسمه محمد بن عبيد الله الثقفي الكوفي ، ثقة من الرابعة ( عن الحارث بن عمرو ) هو ابن أخ للمغيرة بن شعبة الثقفي ، ويقال : ابن عون مجهول من السادسة ، كذا في التقريب ، وفي الميزان ما روى عن الحارث غير أبي عون ، وهو مجهول ( قال : أجتهد رأيي ) قال ابن الأثير في النهاية : الاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر ، وهو افتعال من الجهد والطاقة ، والمراد به رد القضية التي تعرض للحاكم من طريق القياس إلى الكتاب والسنة ، ولم يرد الرأي الذي يراه من قبل نفسه عن غير حمل على كتاب وسنة . انتهى ، وقال الطيبي : قوله أجتهد رأيي المبالغة قائمة في جوهر اللفظ وبناؤه للافتعال للاعتمال والسعي وبذل الوسع ، قال الراغب : الجهد الطاقة والمشقة ، والاجتهاد أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة ، يقال : جهدت رأيي واجتهدت أتعبته بالفكر ، قال الخطابي لم يرد به الرأي الذي يسنح له من قبل نفسه ، أو يخطر بباله على غير أصل من كتاب وسنة ، بل أراد رد القضية إلى معنى الكتاب والسنة من طريق القياس ، وفي هذا إثبات للحكم بالقياس ، كذا في المرقاة ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله ) زاد في رواية أبي داود لما يرضي رسول الله .

                                                                                                          قوله : ( عن أناس من أهل حمص ) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم : كورة بالشام . قوله : ( هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ) [ ص: 465 ] ، وأخرجه أحمد ، وأبو داود والدارقطني ، قال الحافظ في التلخيص : قال البخاري في تاريخه : الحارث بن عمرو عن أصحاب معاذ وعنه أبو عون لا يصح ، ولا يعرف إلا بهذا ، وقال الدارقطني في العلل : رواه شعبة عن أبي عون ، هكذا وأرسله ابن مهدي وجماعة عنه ، والمرسل أصح ، قال أبو داود : أكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال مرة عن معاذ ، وقال ابن حزم لا يصح ؛ لأن الحارث مجهول وشيوخه لا يعرفون ، قال : وادعى بعضهم فيه التواتر وهذا كذب ، بل هو ضد التواتر ؛ لأنه ما رواه أحد غير أبي عون عن الحارث . فكيف يكون متواترا ؟ وقال عبد الحق لا يسند ، ولا يوجد من وجه صحيح ، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية : لا يصح ، وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه ، وإن كان معناه صحيحا ، وقال ابن طاهر في تصنيف له مفرد في الكلام على هذا الحديث : اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار ، وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل فلم أجد له غير طريقين : إحداهما طريق شعبة والأخرى عن محمد بن جابر عن أشعث بن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ ، وكلاهما لا يصح . انتهى ، وقال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين بعد ذكر حديث معاذ رضي الله عنه هذا ما لفظه : هذا حديث ، وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك ؛ لأنه يدل على شهرة الحديث ، وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم ، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي ، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى ؟ ولا يعرف في أصحابه متهم ، ولا كذاب ، ولا مجروح ، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك . كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث ؟ وقد قال بعض أئمة الحديث : إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به ، قال أبو بكر الخطيب : وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ ، وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل العلم قد نقلوه ، واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا وصية لوارث وقوله في البحر : هو الطهور ماؤه والحل ميتته وقوله : إذا اختلف المتبايعان في الثمن ، والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع وقوله : الدية على العاقلة وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد ، ولكن لما نقلها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها . فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد . انتهى كلامه ، وقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم للحاكم أن يجتهد رأيه وجعل له على خطئه في اجتهاد الرأي أجرا واحدا إذا كان قصده معرفة الحق واتباعه ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهدون في النوازل ويقيسون بعض الأحكام على [ ص: 466 ] بعض ويعتبرون النظير بنظيره ، ثم بسط ابن القيم في ذكر اجتهادات الصحابة رضي الله عنهم قال : وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحكام ولم يغنهم ، كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق ، وقال : لم يرد منا التأخير ، وإنما أراد سرعة النهوض فنظروا إلى المعنى ، واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلا ؛ نظروا إلى اللفظ ، وهؤلاء سلف أهل الظاهر ، وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس ، وقال في آخر كلامه : قال المزني : الفقهاء من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا وهلم جرا استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم ، قال : وأجمعوا بأن نظير الحق حق ونظير الباطل باطل فلا يجوز لأحد إنكار القياس ؛ لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها . انتهى ما في الأحكام ، قلت الأمر كما قال ابن القيم لكن ما قال في تصحيح حديث الباب ففيه عندي كلام .




                                                                                                          الخدمات العلمية