الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 267 ] 471

ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وأربعمائة .

ذكر عزل ابن جهير من وزارة الخليفة .

في هذه السنة عزل فخر الدولة أبو نصر بن جهير من وزارة الخليفة المقتدي بأمر الله ، ووزر بعده أبو شجاع محمد بن الحسين .

وكان السبب في ذلك أن أبا نصر بن القشيري ورد إلى بغداذ ، على ما تقدم ذكره ، وجرى له الفتن مع الحنابلة ، لما ذكر مذهب الأشعرية ، ونصره ، وعاب من سواهم ، وفعلت الحنابلة ومن معهم ما ذكرناه ، نسب أصحاب نظام الملك ما جرى إلى الوزير فخر الدولة ، وإلى الخدم ، وكتب أبو الحسن محمد بن علي بن أبي الصقر الواسطي الفقيه الشافعي إلى نظام الملك :


يا نظام الملك قد حل ببغداذ النظام     وابنك القاطن فيها
مستهان مستضام     وبها أودى له قت
لى غلام ، وغلام     والذي منهم تبقى
سالما فيه سهام     يا قوام الدين لم يب
ق ببغداذ مقام     عظم الخطب وللحر
ب اتصال ، ودوام     فمتى لم تحسم الدا
ء أياديك الحسام     ويكف القوم في بغ
داذ قتل ، وانتقام     فعلى مدرسة في
ها ، ومن فيها السلام

2     واعتصام بحريم
لك من بعد حرام



[ ص: 268 ] فلما سمع نظام الملك ما جرى من الفتن ، وقصد مدرسته ، والقتل بجوارها ، مع أن ابنه مؤيد الملك فيها ، عظم عليه ، فأعاد كوهرائين إلى شحنكية العراق ، وحمله رسالة إلى الخليفة المقتدي بأمر الله تتضمن الشكوى من بني جهير ، وسأل عزل فخر الدولة من الوزارة ، وأمر كوهرائين بأخذ أصحاب بني جهير ، وإيصال المكروه إليهم وإلى حواشيهم .

فسمع بنو جهير الخبر ، فسار عميد الدولة إلى المعسكر يريد نظام الملك ليستعطفه ، وتجنب الطريق ، وسلك الجبال خوفا أن يلقاه كوهرائين ويناله فيها أذى ، فلما وصل كوهرائين إلى بغداذ اجتمع بالخليفة وأبلغه رسالة نظام الملك ، فأمر فخر الدولة بلزوم منزله .

ووصل عميد الدولة إلى المعسكر السلطاني ، ولم يزل يستصلح نظام الملك حتى عاد إلى ما ألفه منه ، وزوجه بابنة بنت له ، وعاد إلى بغداذ في العشرين من جمادى الأولى ، فلم يرد الخليفة أباه إلى وزارته ، وأمرهما بملازمة منازلهما ، واستوزر أبا شجاع محمد بن الحسين .

ثم إن نظام الملك راسل الخليفة في إعادة بني جهير إلى الوزارة ، وشفع في ذلك ، فأعيد عميد الدولة إلى الوزارة ، وأذن لأبيه فخر الدولة في فتح بابه ، وكان ذلك في صفر سنة اثنتين وسبعين [ وأربعمائة ] .

ذكر استيلاء تتش على دمشق .

في هذه السنة ملك تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان دمشق .

[ ص: 269 ] وسبب ذلك أن أخاه السلطان ملكشاه أقطعه الشام ، وما يفتحه في تلك النواحي ، سنة سبعين وأربعمائة ، فأتى حلب وحصرها ، ولحق أهلها مجاعة شديدة ، وكان معه جمع كثير من التركمان ، فأنفذ إليه أقسيس ، صاحب دمشق ، يستنجده ، ويعرفه أن عساكر مصر قد حصرته بدمشق .

وكان أمير الجيوش بدر قد سير عسكرا من مصر ، ومقدمهم قائد يعرف بنصر الدولة ، فحصر دمشق ، فأرسل أقسيس إلى تاج الدولة تتش يستنصره ، فسار إلى نصرة أقسيس ، فلما سمع المصريون بقربه أجفلوا من بين يديه شبه المنهزمين ، وخرج أقسيس إليه يلتقيه عند سور البلد ، فاغتاظ منه تتش حيث لم يبعد في تلقيه ، وعاتبه على ذلك ، فاعتذر بأمور لم يقبلها تتش ، فقبض عليه في الحال ، وقتله من ساعته ، وملك البلد ، وأحسن السيرة في أهله ، وعدل فيهم .

قد ذكر ابن الهمذاني وغيره من العراقيين أن ملك تتش دمشق كان هذه السنة ، وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر الدمشقي في كتاب " تاريخ دمشق " أن ملكه إياها كان سنة اثنتين وسبعين [ وأربعمائة ] .

ذكر عدة حوادث .

في هذه السنة ولد الملك بركيارق ابن السلطان ملكشاه .

[ ص: 270 ] وفيها في المحرم ، وصل سعد الدولة كوهرائين إلى بغداذ ، وضرب الطبل على باب داره ، أوقات الصلوات ، وكان قد طلب ذلك من قبل ، فلم يجب إليه لأنه لم تجر به عادة .

[ الوفيات ]

وفيها توفي سيف الدولة أبو النجم بدر بن ورام الكردي ، الجاواني ، في شهر ربيع الأول ، ودفن بطسفونج .

وفي رجب توفي أبو علي بن البنا المقري الحنبلي ، وله مصنفات كثيرة ، وسليم الجوري بناحية جور من دجيل ، وكان زاهدا ، يعمل ، ويأكل من كسبه ، ولم يكلف أحدا حاجة ، وأقام بطنزة من ديار بكر ، وهي كثيرة الفواكه ، فلم يأكل بها فاكهة البتة .

التالي السابق


الخدمات العلمية