الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 185 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ( 89 ) )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله عن إجابته لموسى صلى الله عليه وسلم وهارون دعاءهما على فرعون وأشراف قومه وأموالهم . يقول جل ثناؤه : ( قال ) الله لهما : ( قد أجيبت دعوتكما ) ، في فرعون وملئه وأموالهم .

فإن قال قائل : وكيف نسبت " الإجابة " إلى اثنين و " الدعاء " إنما كان من واحد ؟

قيل : إن الداعي وإن كان واحدا ، فإن الثاني كان مؤمنا ، وهو هارون فلذلك نسبت الإجابة إليهما ، لأن المؤمن داع . وكذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

17847 - حدثني محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان عن ابن جريج عن رجل عن عكرمة في قوله : ( قد أجيبت دعوتكما ) ، قال : كان موسى يدعو وهارون يؤمن ، فذلك قوله : ( قد أجيبت دعوتكما ) .

وقد زعم بعض أهل العربية ، أن العرب تخاطب الواحد خطاب الاثنين ، وأنشد في ذلك :


فقلت لصاحبي لا تعجلانا بنزع أصوله واجتز شيحا

[ ص: 186 ]

17848 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا زكريا بن عدي عن ابن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال : ( قد أجيبت دعوتكما ) قال : دعا موسى وأمن هارون .

17849 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي وزيد بن حباب عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب قال : دعا موسى وأمن هارون .

17850 - . . . . قال : حدثنا أبو معاوية عن شيخ له ، عن محمد بن كعب قال : دعا موسى وأمن هارون .

17851 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية قال : ( قد أجيبت دعوتكما ) ، قال : دعا موسى ، وأمن هارون .

17852 - قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد وعبد الله بن أبي جعفر عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس قال : دعا موسى وأمن هارون فذلك قوله : ( قد أجيبت دعوتكما ) . [ ص: 187 ]

17853 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري عن رجل عن عكرمة في قوله : " قد أجيبت دعوتكما " قال : كان موسى يدعو وهارون يؤمن ، فذلك قوله : ( قد أجيبت دعوتكما ) .

17854 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ( قد أجيبت دعوتكما ) لموسى وهارون قال ابن جريج : قال عكرمة : أمن هارون على دعاء موسى فقال الله : ( قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ) .

17855 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : كان هارون يقول : آمين ، فقال الله : ( قد أجيبت دعوتكما ) فصار التأمين دعوة صار شريكه فيها .

وأما قوله : ( فاستقيما ) ، فإنه أمر من الله تعالى لموسى وهارون بالاستقامة والثبات على أمرهما ، من دعاء فرعون وقومه إلى الإجابة إلى توحيد الله وطاعته إلى أن يأتيهم عقاب الله الذي أخبرهما أنه أجابهما فيه ، كما :

17856 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج قال ابن عباس : ( فاستقيما ) : فامضيا لأمري ، وهي الاستقامة قال ابن جريج : يقولون : إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة .

وقوله : ( ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ) ، يقول : ولا تسلكان طريق [ ص: 188 ] الذين يجهلون حقيقة وعدي ، فتستعجلان قضائي ، فإن وعدي لا خلف له ، وإن وعيدي نازل بفرعون وعذابي واقع به وبقومه .

التالي السابق


الخدمات العلمية