الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فتوكل على الله إنك على الحق المبين فرعت الفاء على الإخبار بأن رب الرسول عليه الصلاة والسلام يقضي بين المختلفين في شأن القرآن أمرا للرسول بأن يطمئن بالا ويتوكل على ربه فيما يقضي به فإنه يقضي له بحقه ، وعلى معانده بما يستحقه ، فالأمر بالتوكل مستعمل في كنايته وصريحه فإن من لازمه أنه أدى رسالة ربه ، وأن إعراض المعرضين عن أمر الله ليس تقصيرا من الرسول صلى الله عليه وسلم . وهو معنى تكرر في القرآن كقوله لعلك باخع نفسك وقوله ولا تحزن عليهم .

والتوكل : تفعل من وكل إليه الأمر إذا أسند إليه تدبيره ومباشرته ، فالتفعل للمبالغة . وقد تقدم عند قوله تعالى فإذا عزمت فتوكل على الله في آل عمران ، وقوله وعلى الله فتوكلوا في المائدة وقوله وعلى الله فليتوكل المؤمنون في سورة إبراهيم .

وقد وقعت جملة إنك على الحق المبين موقعا لم يخاطب الله تعالى أحدا من رسله بمثله فكان ذلك شهادة لرسوله بالعظمة الكاملة المنزهة عن كل نقص ، لما دل عليه حرف " على " من التمكن ، وما دل عليه اسم الحق من معنى جامع لحقائق الأشياء . وما دل عليه وصف مبين من الوضوح والنهوض .

وجاءت جملة إنك على الحق المبين مجيء التعليل للأمر بالتوكل على الله إشعارا بأنه على الحق فلا يترقب من توكله على الحكم العدل إلا أن يكون حكمه [ ص: 34 ] في تأييده ونفعه . وشأن " إن " إذا جاءت في مقام التعليل أن تكون بمعنى الفاء فلا تفيد تأكيدا ولكنها للاهتمام .

وجيء في فعل التوكل بعنوان اسم الجلالة ؛ لأن ذلك الاسم يتضمن معاني الكمال كلها ، ومن أعلاها العدل في القضاء ونصر المحق . وذلك بعد أن عجلت مسرة الإيماء إلى أن القضاء في جانب الرسول عليه الصلاة والسلام بإسناده القضاء إلى عنوان الرب مضافا إلى ضمير الرسول كما تقدم آنفا .

وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي اقتضاه وجود مقتضي جلب حرف التوكيد لإفادة التعليل فلا يفيد التقديم تخصيصا ولا تقويا .

والمبين : الواضح الذي لا ينبغي الامتراء فيه ولا المصانعة للمحكوم له .

وفي الآية إشارة إلى أن الذي يعلم أن الحق في جانبه حقيق بأن يثق بأن الله مظهر حقه ولو بعد حين .

التالي السابق


الخدمات العلمية