الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
هل تجزون إلا ما كنتم تعملون

تذييل للزواجر المتقدمة ، فالخطاب للمشركين الذين يسمعون القرآن على طريقة الالتفات من الغيبة بذكر الأسماء الظاهرة وهي من قبيل الغائب . وذكر ضمائرها ابتداء من قوله " إنك لا تسمع الموتى " وما بعده من الآيات إلى هنا . ومقتضى الظاهر أن يقال : هل تجزون إلا ما كنتم تعملون فكانت هذه الجملة كالتلخيص لما تقدم وهو أن الجزاء على حسب عقائدهم وأعمالهم وما العقيدة إلا عمل القلب فلذلك وجه الخطاب إليهم بالمواجهة .

ويجوز أن تكون مقولا لقول محذوف يوجه إلى الناس يومئذ ، أي لا يقال لكل فريق : " هل تجزون إلا ما كنتم تعملون " .

[ ص: 54 ] والاستفهام في معنى النفي بقرينة الاستثناء . وورود " هل " لمعنى النفي أثبته في مغني اللبيب استعمالا تاسعا قال : أن يراد بالاستفهام بها النفي ولذلك دخلت على الخبر بعدها ( إلا ) نحو " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " . والباء في قوله :


ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم

وقال في آخر كلامه : إن من معاني الإنكار الذي يستعمل فيه الاستفهام إنكار وقوع الشيء وهو معنى النفي . وهذا تنفرد به ( هل ) دون الهمزة . قال الدماميني في الحواشي الهندية قوله : يراد بالاستفهام بـ ( هل ) النفي يشعر بأن ثمة استفهاما لكنه مجازي لا حقيقي اهـ .

وأقول : هذا استعمال كثير ومنه قول لبيد :


هل أنا إلا من ربيعة أو مضر

وقول النابغة :


وهل علي بأن أخشاك من عار

حيث جاء بـ ( من ) التي تدخل على النكرة في سياق النفي لقصد التنصيص على العموم وشواهده كثيرة . ولعل أصل ذلك أنه استفهام عن النفي لقصد التقرير بالنفي . والتقدير : هل لا تجزون إلا ما كنتم تعملون ، فلما اقترن به الاستثناء غالبا والحرف الزائد في النفي في بعض المواضع حذفوا النافي وأشربوا حرف الاستفهام معنى النفي اعتمادا على القرينة فصار مفاد الكلام نفيا وانسلخت ( هل ) عن الاستفهام فصارت مفيدة النفي . وقد أشرنا إلى هذه الآية عند قوله تعالى هل يجزون إلا ما كانوا يعملون في الأعراف .

التالي السابق


الخدمات العلمية