الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [256] لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم .

                                                                                                                                                                                                                                      لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي قال ابن كثير: أي: لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن عمي قلبه فإنه لا يفيده الدخول فيه مكرها مقسورا، فالنفي بمعنى النهي.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 665 ] وهو ما ذهب إليه في تأويل الآية كثير، وذهب آخرون إلى أنه خبر محض، أي: أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر، وإنما بناه على التمكين والاختيار. قال القفال - موضحا له - لما بين تعالى دلائل التوحيد بيانا شافيا قاطعا للعذر، أخبر بعد ذلك أنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عذر في الإقامة على الكفر، إلا أن يقسر على الإيمان ويجبر عليه، وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء ؛ إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان. ونظير هذه الآية قوله تعالى: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وقوله تعالى: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وقوله تعالى: لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننـزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      علم من هذه الآية أن سيف الجهاد المشروع في الإسلام والذي لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر لم يستعمل للإكراه على الدخول في الدين، ولكن لحماية الدعوة إلى الدين والإذعان لسلطانه وحكمه العدل.

                                                                                                                                                                                                                                      فمن يكفر بالطاغوت أي: بالشيطان. أي: بما يدعو إليه من عبادة الأوثان: ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها أي: فقد تمسك من الدين بأقوى سبب. وشبه ذلك بالعروة القوية التي لا تنفصم. هي في نفسها محكمة مبرمة قوية، وربطها قوي [ ص: 666 ] شديد. وجملة: (لا انفصام لها) إما استئناف مقرر لما قبلها، وإما حال من (العروة)، والعامل (استمسك) أو من الضمير المستتر في (الوثقى) وإما صلة لموصول محذوف أي: (التي). نقله الرازي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى الشيخان عن عبد الله بن سلام قال: رأيت رؤيا على عهد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيت كأني في روضة خضراء وسطها عمود حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: اصعد عليه. فقلت: لا أستطيع، فجاءني منصف (أي وصيف) فرفع ثيابي من خلفي، فقال: اصعد فصعدت حتى أخذت بالعروة. فقال: استمسك بالعروة، فاستيقظت وإنها لفي يدي. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه. فقال: « أما الروضة: فروضة الإسلام، وأما العمود: فعمود الإسلام، وأما العروة: فهي العروة الوثقى. أنت على الإسلام حتى تموت » والله سميع عليم اعتراض تذييلي حامل على الإيمان، رادع عن الكفر والنفاق، بما فيه من الوعد والوعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية