الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 480 ] الحديث الثامن والأربعون . عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950021أربع من كن فيه كان منافقا ، ومن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم .
هذا الحديث خرجاه في " الصحيحين " من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص . وخرجاه في " الصحيحين " أيضا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951630آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان . وفي رواية لمسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951631وصلى وزعم أنه مسلم وفي رواية له أيضا : nindex.php?page=hadith&LINKID=951632من علامات المنافق ثلاثة . وقد روي هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه أخر . وهذا الحديث قد حمله طائفة ممن يميل إلى الإرجاء على المنافقين الذين كانوا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنهم حدثوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فكذبوه ، وائتمنهم على سره فخانوه ، ووعدوه أن يخرجوا معه في الغزو فأخلفوه ، وقد روى محمد المحرم هذا التأويل عن عطاء ، وأنه قال : حدثني به جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر أن الحسن [ ص: 481 ] رجع إلى قول عطاء هذا لما بلغه عنه ، وهذا كذب ، والمحرم هذا شيخ كذاب معروف بالكذب . وقد روي عن عطاء هذا من وجهين آخرين ضعيفين أنه أنكر على الحسن قوله : ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وقال : قد حدث إخوة يوسف فكذبوا ، ووعدوا فأخلفوا ، وائتمنوا فخانوا ولم يكونوا منافقين ، وهذا لا يصح عن عطاء ، والحسن لم يقل هذا من عنده وإنما بلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . فالحديث ثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - لا شك في ثبوته وصحته ، والذي فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في اللغة هو من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير وإبطان خلافه ، وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين : أحدهما : nindex.php?page=treesubj&link=19231النفاق الأكبر ، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه ، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم ، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار . والثاني : nindex.php?page=treesubj&link=19232النفاق الأصغر ، وهو نفاق العمل ، وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة ، ويبطن ما يخالف ذلك . وأصول هذا النفاق ترجع إلى الخصال المذكورة في هذه الأحاديث ، وهي خمسة : أحدها : أن يحدث بحديث لمن يصدقه به وهو كاذب له ، وفي " المسند " [ ص: 482 ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951283كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق ، وأنت به كاذب . قال الحسن : كان يقال : النفاق اختلاف السر والعلانية ، والقول والعمل ، والمدخل والمخرج ، وكان يقال : أس النفاق الذي بني عليه الكذب . والثاني : إذا وعد أخلف ، وهو على نوعين : أحدهما : أن يعد ومن نيته أن لا يفي بوعده ، وهذا أشر الخلف ، ولو قال : أفعل كذا إن شاء الله تعالى ومن نيته أن لا يفعل ، كان كذبا وخلفا ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي .
الثاني : أن nindex.php?page=treesubj&link=19241يعد ومن نيته أن يفي ، ثم يبدو له فيخلف من غير عذر له في الخلف . وخرج أبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951633إذا [ ص: 483 ] وعد الرجل ونوى أن يفي به فلم يف ، فلا جناح عليه . وقال الترمذي : ليس إسناده بالقوي . وخرج الإسماعيلي وغيره من حديث سلمان أن عليا لقي أبا بكر وعمر ، فقال : ما لي أراكما ثقيلين ؟ قالا : حديث سمعناه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر nindex.php?page=treesubj&link=19241_19240_19242خلال المنافق : إذا وعد أخلف ، وإذا حدث كذب ، وإذا ائتمن خان فأينا ينجو من هذه الخصال ؟ فدخل علي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر ذلك له ، فقال : قد حدثتهما ولم أضعه على الوضع الذي تضعونه ، ولكن المنافق إذا حدث وهو يحدث نفسه أن يكذب ، وإذا وعد وهو يحدث نفسه أن يخلف ، وإذا اؤتمن وهو يحدث نفسه أن يخون . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم الرازي في هذا الحديث من رواية سلمان nindex.php?page=showalam&ids=68وزيد بن أرقم : الحديثان مضطربان وفي الإسنادين مجهولان . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : الحديث غير ثبت والله أعلم . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني والإسماعيلي من حديث علي مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=951635العدة دين ، ويل لمن وعد ثم أخلف قالها ثلاثا ، وفي إسناده جهالة ، ويروى من حديث ابن [ ص: 484 ] مسعود قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951637لا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : العدة عطية وفي إسناده نظر ، وأوله صحيح عن ابن مسعود من قوله . وفي مراسيل الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : العدة هبة . وفي " سنن أبي داود " عن مولى لعبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=4891عبد الله بن عامر بن ربيعة ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951638جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيتنا وأنا صبي ، فخرجت لألعب ، فقالت أمي : يا عبد الله تعال أعطك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أردت [ ص: 485 ] أن تعطيه ؟ قلت : أردت أن أعطيه تمرا ، فقال : إن لم تفعلي كتبت عليك كذبة . وفي إسناده من لا يعرف . وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : من قال لصبي : تعال هاك تمرا ، ثم لا يعطيه شيئا فهي كذبة .
وقد nindex.php?page=treesubj&link=18085اختلف العلماء في وجوب الوفاء بالوعد ، فمنهم من أوجبه مطلقا ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه " أن ابن أشوع قضى بالوعد ، وهو قول طائفة من أهل [ ص: 486 ] الظاهر وغيرهم ، منهم من أوجب الوفاء به إذا اقتضى تغريما للموعود ، وهو المحكي عن مالك ، وكثير من الفقهاء لا يوجبونه مطلقا .
والثالث : إذا خاصم فجر ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلا والباطل حقا ، وهذا مما يدعو إليه الكذب ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=951639إياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار . وفي " الصحيحين " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=951640إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=951641إنكم لتختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه ، فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار . وقال - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=951642إن من البيان لسحرا . فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة - سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا - على أن ينتصر للباطل ، ويخيل للسامع أنه حق ، ويوهن الحق ، ويخرجه في صورة الباطل ، كان ذلك من أقبح المحرمات ، ومن nindex.php?page=treesubj&link=19239أخبث خصال النفاق ، وفي " سنن أبي داود " عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951643من خاصم [ ص: 487 ] في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع . وفي رواية له أيضا : ومن أعان على خصومة بظلم ، فقد باء بغضب من الله .
الرابع : إذا عاهد غدر ، ولم يف بالعهد ، وقد nindex.php?page=treesubj&link=18085أمر الله بالوفاء بالعهد ، فقال : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا [ الإسراء : 34 ] ، وقال : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=91وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا [ النحل : 91 ] ، وقال : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=77إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم [ آل عمران : 77 ] . وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951645لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به وفي رواية : nindex.php?page=hadith&LINKID=951646إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة ، فيقال : ألا هذه غدرة فلان ، وخرجاه أيضا من حديث أنس بمعناه . وخرج مسلم من حديث أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951647لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة . والغدر حرام في كل عهد بين المسلم وغيره ، ولو كان المعاهد كافرا ، ولهذا في حديث nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=951648من قتل نفسا معاهدا بغير حقها [ ص: 488 ] لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وقد أمر الله تعالى في كتابه بالوفاء بعهود المشركين إذا أقاموا على عهودهم ولم ينقضوا منها شيئا . وأما عهود المسلمين فيما بينهم ، فالوفاء بها أشد ، ونقضها أعظم إثما . ومن أعظمها : نقض عهد الإمام على من تابعه ، ورضي به ، وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951649ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، فذكر منهم : ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا ، فإن أعطاه ما يريد وفى له ، وإلا لم يف له . ويدخل في العهود التي يجب الوفاء بها ، ويحرم الغدر فيها : جميع عقود المسلمين فيما بينهم إذا تراضوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاء بها ، وكذلك ما يجب الوفاء به لله عز وجل مما يعاهد العبد ربه عليه من نذر التبرر ونحوه .
الخامس : nindex.php?page=treesubj&link=19242الخيانة في الأمانة ، فإذا اؤتمن الرجل أمانة ، فالواجب عليه أن يؤديها ، كما قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها [ النساء : 58 ] ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=951650أد الأمانة إلى من ائتمنك ، وقال في خطبته في حجة [ ص: 489 ] الوداع : nindex.php?page=hadith&LINKID=951651من كانت عنده أمانة ، فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وقال الله عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون [ الأنفال : 27 ] فالخيانة في الأمانة من خصال النفاق . وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود من قوله ، وروي مرفوعا : القتل في سبيل الله يكفر كل ذنب إلا الأمانة ، يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له : أد أمانتك ، فيقول : من أين يا رب وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال : اذهبوا به إلى الهاوية ، فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها ، فيجدها هناك كهيئتها ، فيحملها ، فيضعها على عنقه فيصعد بها في نار جهنم حتى إذا رأى أنه قد خرج منها ، زلت فهوت ، وهو في إثرها أبد الآبدين قال : والأمانة في الصلاة ، والأمانة في الصوم ، والأمانة في الحديث ، وأشد ذلك الودائع . وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي أنه استنبط ما في هذا الحديث - أعني حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=951653آية المنافق ثلاث - من القرآن ، فقال : مصداق ذلك في كتاب الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله إلى قوله : [ ص: 490 ] nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1والله يشهد إن المنافقين لكاذبون [ المنافقون : 1 ] ، وقال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله إلى قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=77فأعقبهم نقاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون [ التوبة : 74 - 77 ] ، وقال : nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=72إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال الأحزاب إلى قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=73ليعذب الله المنافقين والمنافقات [ الأحزاب : 72 - 73 ] وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود نحو هذا الكلام ، ثم تلا قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=77فأعقبهم نفاقا في قلوبهم [ التوبة : 77 ] الآية . وحاصل الأمر أن nindex.php?page=treesubj&link=19232النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية ، قاله الحسن . وقال الحسن أيضا : من النفاق اختلاف القلب واللسان ، واختلاف السر والعلانية ، واختلاف الدخول والخروج . وقالت طائفة من السلف : خشوع النفاق أن ترى الجسد خاشعا ، والقلب ليس بخاشع ، وقد روي معنى ذلك عن عمر ، وروي عنه أنه قال على المنبر : إن أخوف ما أخاف عليكم المنافق العليم ، قالوا : كيف يكون المنافق عليما ؟ قال : يتكلم بالحكمة ، ويعمل بالجور ، أو قال : المنكر . وسئل حذيفة عن المنافق ، فقال : الذي يصف الإيمان ولا يعمل به . وفي " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قيل له : إنا ندخل على [ ص: 491 ] سلطاننا ، فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم ، قال : كنا نعد هذا نفاقا . وفي " المسند " عن حذيفة ، قال : إنكم لتكلمون كلاما إن كنا لنعده على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النفاق ، وفي رواية قال : إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيصير بها منافقا ، وإني لأسمعها من أحدكم في اليوم في المجلس عشر مرار . قال nindex.php?page=showalam&ids=15564بلال بن سعد : المنافق يقول ما يعرف ، ويعمل ما ينكر . ومن هنا كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم ، وكان عمر يسأل حذيفة عن نفسه . وسئل nindex.php?page=showalam&ids=12004أبو رجاء العطاردي : هل أدركت من أدركت من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخشون النفاق ؟ فقال : نعم إني أدركت منهم بحمد الله صدرا حسنا ، نعم شديدا ، نعم شديدا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه " : وقال nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة : أدركت ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه . ويذكر عن الحسن قال : ما خافه إلا مؤمن ، ولا أمنه إلا منافق . انتهى . [ ص: 492 ] وروي عن الحسن أنه حلف : ما مضى مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق مشفق ، وما مضى منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن . وكان يقول : من لم يخف النفاق ، فهو منافق . وسمع رجل nindex.php?page=showalam&ids=4أبا الدرداء يتعوذ من النفاق في صلاته ، فلما سلم ، قال له : ما شأنك وشأن النفاق ؟ فقال : اللهم غفرا - ثلاثا - لا تأمن البلاء ، والله إن الرجل ليفتن في ساعة واحدة ، فينقلب عن دينه . والآثار عن السلف في هذا كثيرة جدا . قال nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث ، فذكر منها قال : نحن نقول : نفاق وهم يقولون : لا نفاق . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : قد خاف عمر النفاق على نفسه ، قيل له : إنهم يقولون : إن عمر لم يخف أن يكون يومئذ منافقا حتى سأل حذيفة ، ولكن خاف أن يبتلى بذلك قبل أن يموت ، قال : هذا قول أهل البدع ، يشير إلى أن عمر كان يخاف النفاق على نفسه في الحال ، والظاهر أنه أراد أن عمر كان يخاف على نفسه في الحال من النفاق الأصغر ، والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر ، كما [ ص: 493 ] أن المعاصي بريد الكفر ، وكما يخشى على من أصر على المعصية أن يسلب الإيمان عند الموت ، كذلك يخشى على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقا خالصا . وسئل الإمام أحمد : nindex.php?page=treesubj&link=19239ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق ؟ فقال : ومن يأمن على نفسه النفاق ؟ وكان الحسن يسمي من ظهرت منه أوصاف النفاق العملي منافقا ، وروي نحوه عن حذيفة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : من كذب ، فهو منافق ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي هذا القول عن فرقة من أهل الحديث ، وقد سبق في أوائل الكتاب ذكر الاختلاف عن nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره في مرتكب الكبائر : هل يسمى كافرا كفرا لا ينقل عن الملة أم لا ؟ واسم الكفر أعظم من اسم النفاق ، ولعل هذا هو الذي أنكره عطاء على الحسن إن صح ذلك عنه . ومن أعظم خصال النفاق العملي : أن يعمل الإنسان عملا ، ويظهر أنه قصد به الخير ، وإنما عمله ليتوصل به إلى غرض له سيئ فيتم له ذلك ، ويتوصل بهذه الخديعة إلى غرضه ، ويفرح بمكره وخداعه وحمد الناس له على ما أظهره ، وتوصل به إلى غرضه السيئ الذي أبطنه ، وهذا قد حكاه الله في القرآن عن المنافقين واليهود ، فحكى عن المنافقين أنهم nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=107اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون [ التوبة : 107 ] ، وأنزل في اليهود : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=188لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم [ آل عمران : 188 ] وهذه الآية نزلت في اليهود ، سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكتموه ، وأخبروه بغيره ، فخرجوا وقد أروه أنهم قد أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا بذلك ، وفرحوا بما أوتوا [ ص: 494 ] من كتمانهم وما سئلوا عنه ، قال ذلك nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وحديثه مخرج في " الصحيحين " . وفيهما أيضا عن أبي سعيد أنها نزلت في رجال من المنافقين كانوا إذا خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو تخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلافه فإذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا . وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951654من غشنا فليس منا ، والمكر والخديعة في النار . وقد وصف الله المنافقين بالمخادعة ، ولقد أحسن nindex.php?page=showalam&ids=11876أبو العتاهية في قوله :
ليس دنيا إلا بدين وليـس الد ين إلا مكارم الأخلاق إنما المكر والخديعة في النا ر هما من خصال أهل النفاق
ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أن يكون ذلك منه نفاقا ، كما في " صحيح مسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=951655عن حنظلة الأسيدي أنه مر بأبي بكر وهو يبكي ، فقال : ما لك ؟ قال : نافق حنظلة يا أبا بكر ، نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين ، فإذا رجعنا ، عافسنا الأزواج والصبية فنسينا كثيرا ، قال أبو بكر : فوالله إنا لكذلك ، فانطلقا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : ما لك يا حنظلة ؟ قال : نافق حنظلة يا رسول الله ، وذكر له مثل ما قال لأبي بكر ، [ ص: 495 ] فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي ، لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة . وفي " مسند البزار " عن أنس قال : قالوا : يا رسول الله إنا نكون عندك على حال ، فإذا فارقناك كنا على غيره ، قال : كيف أنتم وربكم ؟ قالوا : الله ربنا في السر والعلانية ، قال : ليس ذاكم النفاق . وروي من وجه آخر عن أنس قال : غدا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : هلكنا ، قال : وما ذاك ؟ قالوا : النفاق ، قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ؟ قالوا : بلى ، قال : فليس ذاك بالنفاق ثم ذكر معنى حديث حنظلة كما تقدم .