الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( باب المطلق ) مأخوذ من مادة تدور على معنى الانفكاك من القيد ، فلذلك قلنا : هو ( ما تناول واحدا غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه ) فخرج بقولنا " ما تناول واحدا " ألفاظ الأعداد المتناولة لأكثر من واحد . وخرج ب " غير معين " المعارف كزيد ونحوه . وبباقي الحد : المشترك والواجب المخير ، فإن كلا منهما يتناول واحدا لا بعينه لا باعتبار حقائق مختلفة . وذلك مثل قوله تعالى { فتحرير رقبة } وقوله صلى الله عليه وسلم { لا نكاح إلا بولي } فكل واحد من لفظ " الرقبة " و " الولي " قد يتناول واحدا غير معين من جنس الرقاب والأولياء وفيه حدود غير [ ص: 421 ] ذلك ، قل أن يسلم منها حد ( و ) يقابل المطلق ( المقيد ) وهو ( ما تناول معينا أو موصوفا بزائد ) أي بوصف زائد ( على حقيقة جنسه ) نحو " شهرين متتابعين و " رقبة مؤمنة وهذا الرجل . وتتفاوت مراتبه في تقييده باعتبار قلة القيود وكثرتها ، فما كثرت فيه قيوده كقوله تعالى { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات } الآية . أعلى رتبة مما قيوده أقل ( وقد يجتمعان ) أي الإطلاق والتقييد ( في لفظ ) واحد ( با ) عتبار ( الجهتين ) فيكون اللفظ مقيدا من وجه مطلقا من وجه آخر ، نحو قوله تعالى { رقبة مؤمنة } قيدت الرقبة من حيث الدين والإيمان فتتعين المؤمنة للكفارة ، وأطلقت من حيث ما سوى الإيمان من الأوصاف ، ككمال الخلقة والطول والبياض وأضدادها ونحو ذلك . فالآية مطلقة في كل رقبة مؤمنة وفي كل كفارة مجزئة . مقيدة بالنسبة إلى مطلق الرقاب ومطلق الكفارات . ثم اعلم أن الإطلاق والتقييد تارة يكونان في الأمر ، كأعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة ، وتارة في الخبر ، كلا نكاح إلا بولي وشاهدين ، ولا نكاح إلا بولي رشيد وشاهدي عدل . قال الطوفي : وهما في الألفاظ مستعاران منهما في الأشخاص . يقال : رجل أو حيوان مطلق : إذا خلا عن قيد أو عقال ، ومقيد إذا كان في رجله قيد أو عقال أو شكال ونحوه من موانع الحيوان من الحركة الطبيعية الاختيارية . فإذا قلنا : أعتق رقبة فهذه الرقبة شائعة في جنسها شيوع الحيوان المطلق بحركته الاختيارية بين جنسه .

وإذا قلنا : أعتق رقبة مؤمنة ، كانت هذه الصفة لها كالقيد المميز للحيوان المقيد من بين أفراد جنسه ، ومانعة لها من الشيوع . كالقيد المانع للحيوان من الشيوع والحركة في جنسه . وهما أمران نسبيان باعتبار الطرفين ، فمطلق لا مطلق بعده كمعلوم ، ومقيد لا مقيد بعده كزيد . وبينهما وسائط . تكون من المقيد باعتبار ما قبل ، ومن المطلق باعتبار ما بعد ، كجسم وحيوان وإنسان . قال الهندي : فالمطلق الحقيقي : ما دل على الماهية فقط . والإضافي مختلف ( وهما ) أي المطلق والمقيد [ ص: 422 ] ( كعام وخاص ) فيما ذكر من تخصيص العموم من متفق عليه ومختلف فيه ومختار من الخلاف ، فيجوز تقييد الكتاب بالكتاب وبالسنة ، وتقييد السنة بالسنة وبالكتاب ، وتقييد الكتاب والسنة بالقياس . ومفهوم الموافقة والمخالفة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره ، ومذهب الصحابي ونحو ذلك ، على الأصح في الجميع ( لكن ) بينهما فرق من وجوه . فمن ذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية