الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [265] ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير .

                                                                                                                                                                                                                                      ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله مفعول له: و وتثبيتا معطوف عليه، ويجوز أن يكونا حالين. أي: مبتغين ومتثبتين: من أنفسهم قال أبو البقاء: يجوز أن يكون (من) بمعنى اللام أي: تثبيتا لأنفسهم، كما تقول: فعلت ذلك كسرا من شهوتي، ويجوز أن تكون على أصلها أي: تثبيتا صادرا من أنفسهم، والتثبيت مصدر فعل متعد، فعلى الوجه الأول: يكون: من أنفسهم مفعول المصدر، وعلى الثاني: يكون المفعول محذوفا. تقديره: [ ص: 681 ] ويثبتون أعمالهم بإخلاص النية، ويجوز أن يكون تثبيتا بمعنى (تثبت) فيكون لازما، والمصادر قد تختلف ويقع بعضها موقع بعض، ومثله قوله تعالى: وتبتل إليه تبتيلا أي: تبتلا. انتهى. وعن الشعبي: تثبيتا تصديقا ويقينا: كمثل جنة أي: بستان: بربوة أي: موضع مرتفع: أصابها وابل مطر كثير: فآتت أكلها أي: أخرجت ثمرها: ضعفين أي: بالنسبة إلى غيرها من الجنان: فإن لم يصبها وابل فطل وهو المطر الضعيف، أو أخف المطر، أو أضعفه أو الندى، ولا بد من تقدير مضاف هنا كما تقدم: إما من جانب المشبه أو المشبه به، أي: ومثل نفقة الذين... إلخ، أو كمثل غارس جنة إلخ ؛ رعاية للتناسب.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشهاب: وفي التشبيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه مركب، والتشبيه لحال النفقة بحال الجنة بالربوة في كونها زاكية متكثرة المنافع عند الله، كيفما كانت الحال.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن تشبيه حالهم بحال الجنة على الربوة في أن نفقتهم، كثرت أو قلت، زاكية زائدة في حسن حالهم، كما أن الجنة يضعف أكلها قوي المطر وضعيفه، وهذا أيضا تشبيه مركب، إلا أنه لوحظ الشبه فيما بين المفردات، وحاصله: أن حالهم في اتباع القلة والكثرة تضعيف الأجر، كحال الجنة في إنتاج الوابل والطل تضعيف ثمارها، ويحتمل وجها ثالثا وهو أن يكون من تشبيه المفرد بالمفرد، بأن تشبه حالهم بجنة مرتفعة في الحسن والبهجة، والنفقة الكثيرة والقليلة بالطل والوابل، والأجر والثواب بالثمرات، والربوة مثلثة الراء، وأكل بضمتين، وتسكن للتخفيف. وبه قرئ: ( والله بما تعملون بصير ) تحذير عن الرياء وترغيب في الإخلاص.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية