الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها في الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة قولان: أحدهما: أنه مسألة الإنسان في صاحبه أن يناله خير بمسألته أو شر بمسألته ، وهذا قول الحسن ، ومجاهد ، وابن زيد . والثاني: أن الشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين ، والشفاعة السيئة الدعاء عليهم ، لأن اليهود كانت تفعل ذلك فتوعدهم الله عليه. وفي الكفل تأويلان: أحدها: أنه الوزر والإثم ، وهو قول الحسن ، وقتادة . والثاني: أنه النصيب ، كما قال تعالى: يؤتكم كفلين من رحمته [الحديد: 28] وهو قول السدي ، والربيع ، وابن زيد . وكان الله على كل شيء مقيتا فيه خمسة تأويلات: أحدها: يعني مقتدرا ، وهو قول السدي ، وابن زيد . والثاني: حفيظا ، وهو قول ابن عباس ، والزجاج. [ ص: 513 ]

                                                                                                                                                                                                                                        والثالث: شهيدا ، وهو قول مجاهد. والرابع: حسيبا ، وهو قول ابن الحجاج ، ويحكى عن مجاهد أيضا. والخامس: مجازيا ، وأصل المقيت القوت ، فسمي به المقتدر لأنه قادر على إعطاء القوت ، ثم صار اسما في كل مقتدر على كل شيء من قوت وغيره ، كما قال الزبير بن عبد المطلب:


                                                                                                                                                                                                                                        وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتا



                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها في المراد بالتحية ههنا قولان: أحدهما: أنه الدعاء بطول الحياة. والثاني: السلام تطوع مستحب ، ورده فرض ، وفيه قولان: أحدهما: أن فرض رده عام في المسلم والكافر ، وهذا قول ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد . والثاني: أنه خاص في المسلمين دون الكافر ، وهذا قول عطاء. وقوله تعالى: بأحسن منها يعني الزيادة في الدعاء. أو ردوها يعني بمثلها ، وروى الحسن أن رجلا سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وعليكم السلام ورحمة الله) ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته) ثم جاء آخر فقال: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليكم (فقيل: يا رسول الله، رددت على الأول والثاني وقلت للثالث: وعليكم ، فقال: إن الأول سلم وأبقى من التحية شيئا ، فرددت عليه بأحسن مما جاء به ، كذلك الثاني ، وإن الثالث جاء بالتحية كلها ، فرددت عليه مثل ذلك). [ ص: 514 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وقد قال ابن عباس : ترد بأحسن منها على أهل الإسلام ، أو مثلها على أهل الكفر ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تبدءوا اليهود بالسلام فإن بدءوكم فقولوا: عليكم (. إن الله كان على كل شيء حسيبا فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني حفيظا ، وهو قول مجاهد. والثاني: محاسبا على العمل للجزاء عليه ، وهو قول بعض المتكلمين. والثالث: كافيا ، وهو قول البلخي. قوله تعالى: الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة وفي تسمية القيامة قولان: أحدهما: لأن الناس يقومون فيه من قبورهم. والثاني: لأنهم يقومون فيه للحساب.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية