الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب ما تجوز فيه المسألة

                                                                      1639 حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة الفزاري عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بدا

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( حفص بن عمر النمري ) : بفتحتين نسبة إلى نمر ( قال المسائل ) : جمع المسألة وجمعت لاختلاف أنواعها والمراد هنا سؤال أموال الناس ( كدوح ) : مثل صبور للمبالغة من الكدح بمعنى الجرح أو هي آثار الخموش . قال في المرقاة : فالإخبار به عن المسائل باعتبار من قامت به ، أي سائل الناس أموالهم جارح لهم بمعنى مؤذيهم أو جارح وجهه ، وبضم الكاف جمع كدح وهو أثر مستنكر من خدش أو عض ، والجمع هنا أنسب ليناسب المسائل ( يكدح بها الرجل ) : أي يجرح ويشين بالسائل ( وجهه ) : ويسعى في ذهاب عرضه بالسؤال يريق ماء وجهه فهي كالجراحة .

                                                                      والكدح قد يطلق على غير الجرح ومنه قوله تعالى : إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ( فمن شاء ) : أي الإبقاء ( أبقى على وجهه ) : أي ماء وجهه من الحياء بترك السؤال والتعفف ( من شاء ) : أي عدم الإبقاء ( ترك ) : أي ذلك الإبقاء ( إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان ) : أي حكم وملك بيده بيت المال . وفيه دليل على جواز سؤال السلطان من الزكاة أو الخمس أو بيت المال أو نحو ذلك ، فيخص به عموم أدلة تحريم السؤال ( أو في أمر لا يجد منه بدا ) : أي علاجا آخر غير السؤال أو لا يوجد من السؤال فراقا وخلاصا . وفيه دليل على جواز المسألة عند الضرورة والحاجة التي لا بد عندها من السؤال كما في الحمالة والجائحة والفاقة بل يجب حال الاضطرار في العري [ ص: 38 ] والجوع . في سبل السلام : وأما سؤاله من السلطان فإنه لا مذمة فيه ؛ لأنه إنما يسأل مما هو حق له في بيت المال ولا منة للسلطان على السائل ؛ لأنه وكيل فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من حقه الذي لديه . وظاهره أنه وإن سأل السلطان تكثرا فإنه لا بأس فيه ولا إثم لأنه جعله قيما للأمر الذي لا بد منه . وقد فسر الأمر الذي لا بد منه حديث قبيصة وفيه لا يحل السؤال إلا لثلاثة : ذي فقر مدقع ، أو دم موجع ، أو غرم مفظع " الحديث . وقوله أو في أمر لا يجد منه بدا أي لا يتم له حصوله مع ضرورة إلا بالسؤال ، ويأتي حديث قبيصة قريبا وهو مبين ومفسر للأمر الذي لا بد منه .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي : حسن صحيح .




                                                                      الخدمات العلمية