الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [281] واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون .

                                                                                                                                                                                                                                      واتقوا يوما أي: اخشوا عذاب يوم: ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت ما عملت من خير أو شر.

                                                                                                                                                                                                                                      قال المهايمي: فإن استوفى الدائن حقه بالتضييق على المديون استوفى الله منه حقوقه بالتضييق، وإن سامحه فالله أولى بالمسامحة، والمديون، إن لم يوف حق الدائن مع قدرته على [ ص: 716 ] الأداء استوفى الله منه حقه، وأما من لا يقدر، فيرجى أن يعفو الله عنه، ويرضى خصمه بعوض من عنده: وهم لا يظلمون لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      من تأمل هذه الآيات وما اشتملت عليه من عقوبة أهل الربا ومستحليه، أكبر جرمه وإثمه، فقد ترتب عليه قيامهم في المحشر مخبلين وتخليدهم في النار ونبزهم بالكفر، والحرب من الله ورسوله واللعنة. وكذا الذم والبغض وسقوط العدالة وزوال الأمانة، وحصول اسم الفسق والقسوة والغلظة ودعاء من ظلم بأخذ ماله على ظالمه. وذلك سبب لزوال الخير والبركة، فما أقبح هذه المعصية وأزيد فحشها. وأعظم ما يترتب من العقوبات عليها! وقد شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طوى التصريح به في تلك الآيات من العقوبات والقبائح الحاصلة لأهل الربا في أحاديث كثيرة. فمنها: ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « اجتنبوا السبع الموبقات أي: المهلكات. قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات » . وأخرج البخاري [ ص: 717 ] عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم: « رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا الذي [ ص: 718 ] رأيته في النهر؟ قال: آكل الربا » . وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: « هم سواء » . وأخرج البخاري وأبو داود عن أبي جحيفة قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله. وثمة آثار وافرة، ساقها السيوطي في الدر المنثور.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية