الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 5829 ] كتاب الاستحقاق

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ف) نسخة فرنسا رقم (1071)

                                                                                                                                                                                        2 - (ف 2) نسخة القرويين رقم (370)

                                                                                                                                                                                        3 - (ق 9) نسخة القرويين رقم (369)

                                                                                                                                                                                        [ ص: 5830 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 5831 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله

                                                                                                                                                                                        وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين

                                                                                                                                                                                        كتاب الاستحقاق

                                                                                                                                                                                        باب فيمن اشترى أرضا فبناها ثم استحقت

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن اشترى أرضا فبناها، ثم استحقت كان المستحق بالخيار، فإن أحب أخذها وأعطى المشتري قيمة بنائه، وإن أبى قيل للباني: أعطه قيمة أرضه براحا، فإن أبى كانا شريكين، هذا بقيمة بنائه وهذا بقيمة أرضه .

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في هذه الوجوه الثلاثة، هل يكون على المستحق قيمة البناء، أو ما زادت قيمته؟ وإذا لم يرض بأخذ البناء وسلم الأرض، هل يكون على الباني قيمتها يوم الحكم أو يوم كان بنى؟ وإذا لم يرض أن يسلم الأرض، ولا أن يعطيه قيمة البناء، هل يجبر على أن يأخذ قيمته أو يكونا شريكين؟ فقال مالك: له عليه قيمة البناء ، وقال في العتبية: عليه قيمة ما أنفق . قيل: له قيمة البناء أو نفقته؟ فقال: بل نفقته . وقال محمد بن مسلمة: عليه ما زاد [ ص: 5832 ] البناء، وإن لم يزد، فلا شيء له.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يكون عليه الأقل من قيمة البناء وما زاد، فإن كانت قيمتها أقل أخذها فكان قد أخذ قيمة سلعته، فإن كانت الزيادة أقل لم يكن له غيرها؛ لأن الأرض أصل وصاحبها يقول: قيمة أرضي اليوم براحا مائة، وهي قائمة العين لم يذهب منها شيء، وقد كنت قادرا على أن آخذ فيها ذلك الآن فليس لك إلا ما زاد على المائة، وإن لم يزد فليس لك شيء، فإن رضي أن يسلمها ولا يدفع قيمة البناء كان له قيمة الأرض الآن.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في المجموعة: له قيمتها يوم كان بناها والأول أبين؛ لأن البناء يفيتها على صاحبها وقد كان له أن يأخذها.

                                                                                                                                                                                        قال مالك: فإن امتنع المستحق من دفع قيمته أخذ قيمة الأرض، وقال أيضا: ليس ذلك للباني ويكونا شريكين . وهذا أصوب؛ لأن المستحق يقول: أنت وإن كنت بنيت بشبهة، فليس ذلك مما يوجب علي أن أشتريه منك، أو أخرج لك من ملكي؛ ولأنه لا يخالف أنه لو وقع ثوب في صبغ لرجل، ولم يرض صاحب الثوب أن يدفع قيمة الصبغ، أنه ليس لصاحب الصبغ أن يدفع قيمة الثوب جبرا، وإذا لم يكن ذلك له، مع كون ذلك من غير سببه كان إذا من سببه، وهو مخطئ على ملك غيره أبين، ثم يكون شريكا بالأقل من قيمة البناء أو ما زادت القيمة. وإن استحق نصف الأرض ودفع العوض عن البناء، كان له الشفعة في النصف الآخر.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يضمن وكانا شريكين، هذا بقيمة الأرض وهذا بقيمة [ ص: 5833 ] البناء، هل يسقط من الشفعة بقدر ما سلم من الأرض عوضا عن البناء لأنه بائع له؟

                                                                                                                                                                                        وأرى ألا شفعة له إذا سلم الأرض وأخذ القيمة؛ لأنه قد باع ما يستشفع به ولم يبق له في الأرض شيء وألا يسقط من شفعته شيء إذا لم يضمن وكانا شريكين؛ لأن الشفعة تجب في الشيء الكثير بالجزء اليسير.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك بن الماجشون في ثمانية أبي زيد في أرض بين شريكين بنى أحدهما بعضها قبل القسم: فإنها تقسم . يريد: على أن لا بناء فيها.

                                                                                                                                                                                        قال: فإن وقع البناء في نصيب الآخر أعطى قيمته مقلوعا.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو كان البناء فيما لا يحمل القسم لكان شريكا بقيمته قائما، ومن دعا إلى البيع بيع جميعها على حالها من البناء والإصلاح، فيكون الزائد لمكان البناء للباني وما سواه بينهما، كما قيلفي المركب يكون للشريكين فيصلحه أحدهما أن له ما زاد الإصلاح . [ ص: 5834 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية