الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( كتاب الصلح )

                                                                                                                                الكلام في كتاب الصلح يقع في مواضع في بيان أنواع الصلح ، وفي بيان شرعية كل نوع ، وفي بيان ركن الصلح ، وفي [ ص: 40 ] بيان شرائط الركن ، وفي بيان حكم الصلح ، وفي بيان ما يبطل به عقد الصلح بعد وجوده ، وفي بيان حكمه إذا بطل ، أو لم يصح من الأصل ( أما ) الأول فنقول وبالله التوفيق .

                                                                                                                                الصلح في الأصل أنواع ثلاثة : .

                                                                                                                                صلح عن إقرار المدعى عليه ، وصلح عن إنكاره ، وصلح عن سكوته من غير إقرار ، ولا إنكار ، وكل نوع من ذلك لا يخلو إما أن يكون بين المدعي ، والمدعى عليه وإما أن يكون بين المدعي ، والأجنبي المتوسط فإن كان بين المدعي والمدعى عليه فكل واحد من الأنواع الثلاثة مشروع عند أصحابنا ، وقال ابن أبي ليلى : المشروع هو الصلح عن إقرار وسكوت لا غيرهما ، وقال الشافعي : رحمه الله أما المشروع هو الصلح عن إقرار لا غير .

                                                                                                                                ( وجه ) قول الشافعي رحمه الله أن جواز الصلح يستدعي حقا ثابتا ، ولم يوجد في موضع الإنكار والسكوت أما في الإنكار ; فلأن الحق لو ثبت فإنما يثبت بالدعوى ، وقد عارضها الإنكار ، فلا يثبت الحق عند التعارض ، فأما في السكوت فلأن الساكت ينزل منكرا حكما حتى تسمع عليه البينة فكان إنكاره معارضا لدعوى المدعي فلم يثبت الحق .

                                                                                                                                ولو بذل المال لبذله لدفع خصومة باطلة فكان في معنى الرشوة ( ولنا ) ظاهر قوله تعالى { والصلح خير } ، وصف الله تعالى عز شأنه جنس الصلح بالخيرية ، ومعلوم أن الباطل لا يوصف بالخيرية ، فكان كل صلح مشروعا بظاهر هذا النص إلا ما خص بدليل ، وعن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال ردوا الخصوم حتى يصطلحوا ، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن أمر رضي الله عنه برد الخصوم إلى الصلح مطلقا ، وكان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعا من الصحابة فيكون حجة قاطعة ; ولأن الصلح شرع للحاجة إلى قطع الخصومة ، والمنازعة والحاجة إلى قطعها في التحقيق عند الإنكار إذ الإقرار مسالمة ، ومساعدة ، فكان أولى بالجواز ، ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله : أجوز ما يكون الصلح على الإنكار ، وقال الشيخ أبو منصور الماتريدي السمرقندي : رحمه الله ما صنع الشيطان من إيقاع العداوة والبغضاء في بني آدم ما صنع الشافعي رحمه الله في إنكاره الصلح على الإنكار ، وقوله أن الحق ليس بثابت قلنا هذا على الإطلاق ممنوع ، بل الحق ثابت في زعم المدعي ، وحق الخصومة واليمين ثابتان له شرعا فكان هذا صلحا عن حق ثابت فكان مشروعا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية