الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 15 ] النوع التاسع والأربعون في مطلقه ومقيده

المطلق : الدال على الماهية بلا قيد وهو مع القيد كالعام مع الخاص . قال العلماء : متى وجد دليل على تقييد المطلق صير إليه وإلا فلا ، بل يبقى المطلق على إطلاقه ، والمقيد على تقييده ؛ لأن الله تعالى خاطبنا بلغة العرب .

والضابط أن الله إذا حكم في شيء بصفة أو شرط ثم ورد حكم آخر مطلقا ، نظر : فإن لم يكن له أصل يرد إليه إلا ذلك الحكم المقيد وجب تقييده به ، وإن كان له أصل يرد إليه غيره لم يكن رده إلى أحدهما بأولى من الآخر .

فالأول : مثل اشتراط العدالة في الشهود على الرجعة والفراق والوصية في قوله : وأشهدوا ذوي عدل منكم [ الطلاق : 2 ] ، وقوله شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم [ المائدة : 106 ] .

وقد أطلق الشهادة في البيوع وغيرها في قوله : وأشهدوا إذا تبايعتم [ البقرة : 282 ] ، فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم [ النساء : 6 ] ، والعدالة شرط في الجميع .

ومثل تقييده ميراث الزوجين بقوله : من بعد وصية يوصين بها أو دين [ النساء : 12 ] ، وإطلاقه الميراث فيما أطلق فيه ، وكذلك ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية والدين ، وكذلك ما اشترط في كفارة القتل من الرقبة المؤمنة وإطلاقها في كفارة الظهار واليمين والمطلق كالمقيد في وصف الرقبة .

وكذلك تقييد الأيدي بقوله إلى المرافق [ المائدة : 6 ] في الوضوء وإطلاقه في التيمم .

[ ص: 16 ] وتقييد إحباط العمل بالردة بالموت على الكفر في قوله : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر [ البقرة : 217 ] الآية ، وأطلق في قوله : ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله [ المائدة : 5 ] ، وتقييد تحريم الدم بالمسفوح في الأنعام وأطلق فيما عداها .

فمذهب الشافعي حمل المطلق على المقيد في الجميع .

ومن العلماء من لا يحمله ، ويجوز إعتاق الكافر في كفارة الظهار واليمين ، ويكتفي في التيمم بالمسح إلى الكوعين ، ويقول : إن الردة تحبط العمل بمجردها .

والثاني : مثل تقييد الصوم بالتتابع في كفارة القتل والظهار ، وتقييده بالتفريق في صوم التمتع ، وأطلق كفارة اليمين وقضاء رمضان ، فيبقى على إطلاقه من جوازه مفرقا ومتتابعا ، لا يمكن حمله عليهما لتنافي القيدين ، وهما التفريق والتتابع ولا على أحدهما لعدم المرجح .

تنبيهات :

الأول : إذا قلنا : بحمل المطلق على المقيد ، فهل هو من وضع اللغة أو بالقياس ؟ مذهبان :

وجه الأول أن العرب من مذهبها استحباب الإطلاق اكتفاء بالمقيد ، وطلبا للإيجاز والاختصار .

الثاني : ما تقدم محله إذا كان الحكمان بمعنى واحد .

وإنما اختلفا في الإطلاق والتقييد . فأما إذا حكم في شيء بأمور ثم في آخر ببعضها ، وسكت فيه عن بعضها فلا يقتضي الإلحاق ؛ كالأمر بغسل الأعضاء الأربعة في الوضوء ، وذكر في التيمم عضوين ، فلا يقال بالحمل ومسح الرأس والرجلين بالتراب فيه أيضا ، وكذلك ذكر العتق والصوم والإطعام في كفارة الظهار ، واقتصر في كفارة القتل على الأولين ، ولم يذكر الإطعام . فلا يقال بالحمل وإبدال الصيام بالطعام .

التالي السابق


الخدمات العلمية