الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 120 ] سورة الإسراء

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ( 1 ) ) .

قد تقدم الكلام على ( سبحان ) في قصة آدم عليه السلام في البقرة .

و ( ليلا ) : ظرف لأسرى ، وتنكيره يدل على قصر الوقت الذي كان الإسراء والرجوع فيه . ( حوله ) : ظرف لباركنا . وقيل : مفعول به ; أي طيبنا ، أو نمينا . ( لنريه ) : بالنون ; لأن قبله إخبارا عن المتكلم ; وبالياء ، لأن أول السورة على الغيبة ، وكذلك خاتمة الآية بالغيبة ، وختم بها ثم رجع في وسطها إلى الإخبار عن النفس ; فقال : باركنا ، ومن آياتنا . والهاء في ( إنه ) لله تعالى وقيل : للنبي صلى الله عليه وسلم ; أي إنه السميع لكلامنا البصير لذاتنا .

قال تعالى : ( وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ( 2 ) ) .

قوله تعالى : ( ألا تتخذوا ) : يقرأ بالياء على الغيبة ، والتقدير : جعلناه هدى لئلا يتخذوا أو آتينا موسى الكتاب لئلا يتخذوا . ويقرأ بالتاء على الخطاب ، وفيه ثلاثة أوجه ; أحدها : أن " أن " بمعنى أي ، وهي مفسرة لما تضمنه الكتاب من الأمر والنهي .

والثاني : أن " أن " زائدة ; أي قلنا : لا تتخذوا . والثالث : أن " لا " زائدة ، والتقدير : مخافة أن تتخذوا ; وقد رجع في هذا من الغيبة إلى الخطاب . و " تتخذوا " هنا يتعدى إلى مفعولين : أحدهما : " وكيلا " وفي الثاني وجهان ; أحدهما : " ذرية " والتقدير : لا تتخذوا ذرية من حملنا وكيلا ; أي ربا أو مفوضا إليه . و " من دوني " يجوز أن يكون حالا من وكيل ، أو معمولا له ، أو متعلقا بتتخذوا . والوجه الثاني : المفعول الثاني " من دوني " . وفي ذرية على هذا ثلاثة أوجه ; أحدها : هو منادى ، والثاني : هو منصوب بإضمار أعني . والثالث : هو بدل من وكيل ، أو بدل من موسى عليه السلام .

[ ص: 121 ] وقرئ شاذا بالرفع على تقدير هو ذرية ، أو على البدل من الضمير في " يتخذوا " على القراءة بالياء ; لأنهم غيب .

و ( من ) بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة .

قال تعالى : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ( 4 ) فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( لتفسدن ) : يقرأ بضم التاء وكسر السين من أفسد ، والمفعول محذوف ; أي الأديان ، أو الخلق . ويقرأ بضم التاء وفتح السين ; أي ويفسدكم غيركم .

ويقرأ بفتح التاء وضم السين ; أي تفسد أموركم . ( مرتين ) : مصدر ، والعامل فيه من غير لفظه . ( وعد أولاهما ) : أي موعود أولى المرتين ; أي ما وعدوا به في المرة الأولى .

( عبادا لنا ) : بالألف وهو المشهور . ويقرأ عبيدا ، وهو جمع قليل ، ولم يأت منه إلا ألفاظ يسيرة .

( فجاسوا ) : بالجيم ، ويقرأ بالحاء ، والمعنى واحد . ( وخلال ) : ظرف له . ويقرأ : خلل الديار - بغير ألف ، قيل : هو واحد ، والجمع خلال ، مثل جبل وجبال . ( وكان ) : اسم كان ضمير المصدر ; أي وكان الجوس .

قال تعالى : ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( الكرة ) : هي مصدر في الأصل ، يقال : كر كرا وكرة .

و ( عليهم ) : يتعلق برددنا . وقيل : بالكرة ; لأنه يقال : كر عليه . وقيل : هو حال من الكرة .

( نفيرا ) : تمييز ; وهو فعيل بمعنى فاعل ; أي من ينفر معكم ، وهو اسم للجماعة .

وقيل : هو جمع نفر ، مثل عبد وعبيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية