الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 165 ] باب

ذكر نقط ما اجتمع فيه ياءان ، فحذفت إحداهما إيجازا

اعلم أن كتاب المصاحف اتفقوا على حذف إحدى الياءين من الرسم في قوله : " النبين " ، حيث وقع .

ويجوز أن تكون المحذوفة منهما الأولى التي هي زائدة للمد في بناء " فعيل " ؛ لزيادتها ، وأنها أول الياءين ؛ لأن الهمزة بينهما ، لخفائها ، وأن لا صورة لها ، ليست بفاصلة . فوجب لذلك حذفها من الرسم ؛ إذ كره الجمع بينها وبين التي بعدها فيه .

ويجوز أن تكون المحذوفة من الياءين الثانية التي هي علامة الجمع ، من حيث كان البناء يختل بحذف الأولى . وكان الثقل والكراهة للجمع بين صورتين متفقتين إنما وجب بالثانية لا بالأولى .

والمذهب الأول أوجه ؛ لما بينته ، ولأن الياء الثانية لما جاءت مؤدية عن معنى الجمع لزم إثباتها ليتأدى بذلك المعنى الذي جاءت له . وأيضا فإنها ملازمة للنون ، لا تفارقها ، ولا تنفصل عنها ، من حيث كانتا معا علامة للجميع . فوجب لذلك إثباتها ضرورة .

[ ص: 166 ] فإذا نقط ذلك على قراءة من همز على الأصل ، جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها من تحتها نقطة بالحمراء قبل الياء السوداء . ورسم قبل الهمزة وبعد الباء ، ياء بالحمراء ، وهي ياء " فعيل " . وإن شاء الناقط لم يرسمها ، وجعل مطة في موضعها . هذا على الوجه الأول المختار . وصورة ذلك كما ترى : " النبئين " .

وعلى الوجه الثاني تجعل الهمزة وحركتها بعد الياء السوداء . وتلحق بعد الهمزة وقبل النون ياء بالحمراء ، وهي ياء الجميع . ولا بد من إلحاق هذه الياء في هذا الوجه ليتأدى بإلحاقها المعنى الذي جاءت هي والنون لأجله . وصورة ذلك كما ترى : " النبيئن " .

وكذا تلحق الياء في هذه الكلمة على الوجهين ، في قراءة من لم يهمزها . وكذلك تلحق في نظائر ذلك من الجمع ، مما حذفت فيه إحدى الياءين كراهة للجمع بينهما في الرسم ، على الوجهين جميعا . وذلك نحو قوله : " ربانين " ، و " الحوارين " ، و " في الأمين " ، وشبهه .

* * *

[ ص: 167 ] فأما ما كان الحرف الواقع فيه الياء والنون همزة ، نحو قوله : " المستهزءين " ، و متكئين ، و خاسئين ، وشبهه ، فإن الياء المرسومة قبل النون في ذلك تحتمل أن تكون صورة للهمزة ؛ لتحركها ، وتحرك ما قبلها ؛ وأن تكون علامة للجمع ، وذلك الأوجه ؛ لما بيناه قبل ، ولأن الهمزة - لكونها حرفا من الحروف - قد تستغني عن الصورة .

* * *

وأما قوله في ( مريم ) : " أثاثا ورءيا " فإنه رسم في جميع المصاحف بياء واحدة . فإن كان رسمه على قراءة من لم يهمز ، فذلك حقيقة رسمه . وإن كان على قراءة من همز فقد حذفت منه ياء واحدة .

وهي الأولى التي هي صورة الهمزة الساكنة لا غير .

وذلك لثلاثة معان : أحدها أن الهمزة في حال تحقيقها قد تستغني عن الصورة بالشكل ؛ لأنها حرف كسائر الحروف . والثاني أنها إذا سهلت في ذلك لزم إبدالها ياء ساكنة ؛ لأجل كسرة الراء التي قبلها . ثم تدغم في الياء التي بعدها للتماثل . وعلى هذا لا تصور رأسا . والثالث أن الألف المعوضة من التنوين الذي يتبع الإعراب قد جاءت مثبتة في آخر هذه الكلمة . فلزم أن تكون الياء المتصلة في الرسم بها هي التي يلحقها الإعراب لا غير .

وإذا نقط ذلك جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وعليها علامة السكون ، بين الراء والياء في البياض . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية