الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 6407 ] كتاب الديات

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ف) نسخة فرنسا رقم (1071)

                                                                                                                                                                                        2 - (م) نسخة مراكش رقم (112/ 1)

                                                                                                                                                                                        3 - (ق 1) نسخة القرويين رقم (369)

                                                                                                                                                                                        4 - (ق 2) نسخة القرويين رقم (370)

                                                                                                                                                                                        5 - (ق 7) نسخة القرويين رقم (367) [ ص: 6408 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 6409 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        صلى الله عليه سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

                                                                                                                                                                                        كتاب الديات

                                                                                                                                                                                        باب في ديات أهل الكتاب والمجوس وجراحاتهم وما تحمل العاقلة من الجراح ومن يحمل العقل من قوم الجارح

                                                                                                                                                                                        دية أهل الكتاب عند مالك على النصف من دية المسلمين، ورجالهم على النصف من دية رجال المسلمين، ونساؤهم على النصف من دية المسلمات ، والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين" ، ذكره [ ص: 6410 ] الترمذي والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون تتكافأ دماؤهم" دليله أن الكافر لا يكافئ المسلم، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقتل مسلم بكافر" وهذان الحديثان في الصحيحين، البخاري ومسلم ; ولأن الديات مبنية على الحرم ، فكانت المرأة على النصف من دية الرجل مع كونهما مسلمين لما كانت حرمة الرجل أعلى ، والمرأة المسلمة أعظم حرمة من الرجل الكافر.

                                                                                                                                                                                        قال مالك: ودية المجوسي ثمان مائة درهم وهي ثلثا العشر من دية المسلم، ودية المجوسية على النصف من ذلك ، وهذا إذا كانوا أهل ورق، [ ص: 6411 ] وإن كانوا أهل ذهب فسبعة وستون دينارا إلا ثلثا، وهي ثلثا العشر من دية الذهب، والمرأة على النصف من ذلك ثلاثة وثلاثون وثلث، وإن كانوا أهل إبل فسبعة أبعرة إلا ثلثا، والمرأة ثلاثة أبعرة وثلث .

                                                                                                                                                                                        واختلف في دية النصراني والمجوسي يقتلهما المسلم خطأ هل تحملها عاقلة المسلم أو تكون في مال الجاني؟ فقال في الكتاب: تحملها العاقلة في ثلاث سنين .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية في النصراني والمجوسي يقتلهما المسلم: أن ذلك في مال الجاني، ولا تحمله العاقلة قال : لأنهم عندنا كالعبيد، إلا أن السنة مضت بدياتهم .

                                                                                                                                                                                        وقوله الأول أحسن، وهو حر يرثه ورثته، وإن جني عليه كانت جنايته [ ص: 6412 ] له، وتحمل عاقلتهم جريرتهم ; ولأن الكافر الذمي على ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        إما أن يكون دخل إلينا بأمان، ورضي بالمقام على أداء الجزية- فهو حر من الأصل، أو يكونوا صلحا منعوا أنفسهم حتى أعطوا الجزية على شيء يؤدونه فهم على حريتهم التي كانوا عليها، أو يكونوا عنوة ملكناهم ثم مننا عليهم بذلك كالعتق .

                                                                                                                                                                                        ولا يختلف أن عتق المسلم الكافر عتق صحيح، والعاقلة تحمل الدية الكاملة كان المقتول رجلا أو امرأة أو نصرانيا أو نصرانية أو مجوسيا أو مجوسية.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيما دون الدية، فقال مالك مرة: تحمل الأقل من ذلك ثلث دية الجاني أو ثلث دية المجني عليه قال: وثلث دية المجني عليه أبين، وقال في العتبية: المراعى ثلث دية المجني عليه خاصة . [ ص: 6413 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف فيه قول عبد الملك، فقال مرة: ثلث دية المجني عليه من كان . وقال مرة ثلث دية الرجل كان الجاني أو المجني عليه من كان .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن شهاب : لا تحمل العاقلة إلا ما زاد على الثلث .

                                                                                                                                                                                        فالأول جناية الرجل على المرأة، والمسلم على النصراني أو النصرانية أو المجوسي أو المجوسية، جائفة أو مأمومة، أو كانت الجناية قطع يد أو فقء عين، وكل ذلك دون ثلث دية الجاني، والعاقلة تحمله قولا واحدا.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قطع الرجل إصبعين من المرأة فقال مالك: تحمله العاقلة; لأنه أكثر من ثلث ديتها . وقيل : لا تحمله; لأنها لم تأخذ ذلك على عقل [ ص: 6414 ] نفسها، وإنما أخذته على معاقلة الرجل ومساواته فيها ، وهو أحسن.

                                                                                                                                                                                        ومثله إذا قلع منها أربع أسنان فإنه يختلف هل تحمله عاقلة الرجل; لأنه أقل من ثلث ديته وأكثر من ثلث ديتها؟ ولو جنت امرأة على امرأة فقطعت لها إصبعين أو أربعة أسنان لجرت على الخلاف; لأنها إنما تأخذ على عقل الرجل.

                                                                                                                                                                                        والثاني: جناية المرأة على الرجل تقطع له إصبعين، وجناية النصراني على المسلم يقطع له إصبعا، أو شجة منقلة، أو مجوسية تشج المسلم موضحة، أو تقطع منه أنملة فاختلف فيه; لأنه فوق ثلث ديتها ودون ثلث ديته.

                                                                                                                                                                                        والقول أن المراعى فيه دية المجني عليه أحسن; لأن الأصل أن العاقلة تحمل الدية الكاملة، وأن المراعى فيها دية المجني عليه ، وتحمل من الدية إذا لم يكمل ما له قدر وبال وذلك الثلث، فوجب أن يكون المراعى فيه الدية الكاملة التي هذا بعضها، ورأى ابن شهاب: أن الثلث في [ ص: 6415 ] حيز القليل، وأن الكثير ما زاد على الثلث.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف قول مالك في هذا الأصل، فقال فيمن اكترى دارا وفيها ثمرة فاشترطها، فلم يجز ذلك مرة إذا بلغت الثلث، ورآه في حيز الكثير، وأجازه مرة ورآه في حيز القليل .

                                                                                                                                                                                        وقال في حلية السيف إذا كانت الثلث يباع بمثل ما فيه من الذهب والفضة، ورآه في حيز القليل ويلزم على أحد قوليه في الثمرة ألا يجيز حلية السيف إذا بلغت الثلث.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية