الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ) .

                                                                                                                                                                                                                                            في الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة ( يأت ) بحذف الياء ، والباقون بإثبات الياء ، قال صاحب "الكشاف" : وحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير في لغةهذيل ، ونحوه قولهم" لا أدر" حكاه الخليل وسيبويه .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال صاحب "الكشاف" : فاعل يأتي هو الله تعالى ، كقوله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ) [البقرة : 210 ] وقوله : ( أو يأتي ربك ) [الأنعام : 158 ] ، ويعضده قراءة من قرأ "وما يؤخره " بالياء ، أقول : لا يعجبني هذا التأويل ؛ لأن قوله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ) [البقرة : 210 ] حكاه الله تعالى عن أقوام ، والظاهر أنهم هم اليهود ، وذلك ليس فيه حجة ، وكذا قوله : ( أو يأتي ربك ) [الأنعام : 158 ] أما ههنا فهو صريح كلام الله تعالى ، وإسناد فعل الإتيان إليه مشكل .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قالوا : فما قولك في قوله تعالى : ( وجاء ربك ) [الفجر : 22 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : هناك تأويلات ، وأيضا فهو صريح ، فلا يمكن دفعه فوجب الامتناع منه ، بل الواجب أن يقال : المراد منه يوم يأتي الشيء المهيب الهائل المستعظم ، فحذف الله تعالى ذكره بتعيينه ليكون أقوى في التخويف .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قال صاحب "الكشاف" : العامل في انتصاب الظرف هو قوله : ( لا تكلم ) أو إضمار "اذكر" .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 49 ] أما قوله : ( لا تكلم نفس إلا بإذنه ) ففيه حذف ، والتقدير : لا تكلم نفس فيه إلا بإذن الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وبين سائر الآيات التي توهم كونها مناقضة لهذه الآية ؛ منها قوله تعالى : ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ) [النحل : 111 ] ، ومنها أنهم يكذبون ويحلفون بالله عليه ، وهو قولهم : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) [الأنعام : 23 ] ، ومنها قوله تعالى : ( وقفوهم إنهم مسئولون ) [الصافات : 24 ] ، ومنها قوله : ( هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) [المرسلات : 35 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه حيث ورد المنع من الكلام فهو محمول على الجوابات الحقية الصحيحة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن ذلك اليوم يوم طويل وله مواقف ، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم ، وفي بعضها يكفون عن الكلام ، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون ، وفي بعضها يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية