الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قلت: فأبو البركات لاستبعاد عقله أن تصدر المرادات الكثيرة عن إرادة واحدة ظن أن هؤلاء لا يقولون به، وهم يقولون به، فإن هذا قول ابن كلاب والأشعري ومن وافقهما من أهل الكلام والفقه والحديث والتصوف، يقولون: إنه يعلم المعلومات كلها بعلم واحد بالعين، ويريد المرادات كلها بإرادة واحدة بالعين، وإن كلامه الذي تكلم به من الأمر بكل مأمور والخبر عن كل مخبر عنه هو أيضا واحد بالعين، ثم تنازع القائلون بهذا الأصل: هل كلامه معنى فقط والقرآن [ ص: 173 ] العربي ليس هو كلامه، أو كلامه الحروف أو الحروف والأصوات التي نزل بها القرآن وغيره، وهي قديمة العين؟ على قولين.

ومن القائلين بقدم أعيان الحروف والأصوات من لا يقول هي واحدة، بل يقول: هي متعددة، وإن كانت لا نهاية لها، ويقول بثبوت حروف، أو حروف ومعان لا نهاية لها في آن واحد، وأنها لم تزل ولا تزال، وهذا مما أوجب قول القائلين بأن كلام الله مخلوق، وأنه ليس له كلام قائم بذاته، لما رأوا أن ما ليس بمخلوق فهو قديم العين، والثاني ممتنع عندهم، فتعين الأول.

وأولئك الصنفان قالوا: والأول ممتنع، فتعين الثاني، وهؤلاء إنما قالوا هذه الأقوال لظنهم أنه يمتنع أن تقوم به الأمور الاختيارية: لا كلام باختياره، ولا غير كلام، كما قد بين في موضعه.

وهذا الأصل هو القول بقيام الحوادث به هو قول هشام بن الحكم وهشام الجواليقي وابن مالك الحضرمي وعلي بن الهيثم [ ص: 174 ] وأتباعهم، وطوائف من متقدمي أهل الكلام والفقه، كأبي معاذ التومني وزهير الأثري، وداود الأصبهاني وغيرهم كما ذكره الأشعري عنهم في المقالات، وقال "وكل القائلين بأن القرآن ليس بمخلوق - كنحو عبد الله بن سعيد بن كلاب، ومن قال: إنه محدث، كنحو زهير الأثري - يعني وداود الأصبهاني - ومن قال: إنه حدث، كنحو أبي معاذ التومني - يقولون: إن القرآن ليس بجسم ولا عرض".

وأما أقوال أئمة الفقه والحديث والتصوف والتفسير وغيرهم من علماء المسلمين وكذلك كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان فكلام الرازي يدل على أنه لم يكن مطلعا على ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية