الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فلما جاءتهم آياتنا أي ظهرت لهم على يد موسى - عليه السلام - فالمجيء مجاز عن الظهور، وإسناده إلى الآيات حقيقي، وقال بعض الأجلة: المجيء حقيقة وإسناده إلى الآيات مجازي، وهو حقيقة لموسى - عليه السلام - ولما بينهما من الملابسة لكونها معجزة له - عليه السلام - ساغ ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولعل النكتة في العدول عن (فلما جاءهم موسى بآياتنا) إلى ما في النظم الجليل الإشارة إلى أن تلك الآيات خارجة عن طوقه - عليه السلام - كسائر المعجزات، وأنه لم يكن له - عليه السلام - تصرف في بعضها، وكونه معجزة له لإخباره به ووقوعه بدعائه ونحوه، ولا ينافي هذا الإسناد إليه لكونها جارية على يديه للإعجاز في قوله سبحانه: فلما جاءهم موسى بآياتنا في محل آخر، وقد بين بعضهم وجها لاختصاص كل منهما بمحله بأن ثمة ذكر مقاولته - عليه السلام - ومجادلتهم معه فناسب الإسناد إليه، وهنا لما لم يكن كذلك ناسب الإسناد إليها؛ لأن المقصود بيان جحودهم بها، وإضافة الآيات للعهد، وفي إضافتها إلى ضمير العظمة ما لا يخفى من تعظيم شأنها مبصرة حال من الآيات، أي: بينة واضحة، وجعل الإبصار لها - وهو حقيقة لمتأمليها - للملابسة بينها وبينهم؛ لأنهم إنما يبصرون بسبب تأملهم فيها، فالإسناد مجازي من باب الإسناد إلى السبب، ويجوز أن يراد مبصرة كل من نظر إليها من العقلاء أو من فرعون وقومه؛ لقوله تعالى: واستيقنتها أنفسهم أي: جاعلته بصيرا، من (أبصره) المتعدي بهمزة النقل من (بصر) والإسناد أيضا مجازي.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تجعل الآيات كأنها تبصر فتهدي؛ لأن العمى لا تقدر على الاهتداء فضلا أن تهدي غيرها، فيكون في الكلام استعارة مكنية تخييلية مرشحة، قال في الكشف: وهذا الوجه أبلغ، وقيل: إن فاعلا أطلق للمفعول، فالمجاز إما في الطرف أو في الإسناد، فتأمل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ قتادة ، وعلي بن الحسين - رضي الله تعالى عنهما -: (مبصرة) بفتح الميم والصاد، على وزن مسبعة، وأصل هذه الصيغة أن تصاغ في الأكثر لمكان كثر فيه مبدأ الاشتقاق، فلا يقال: مسبعة - مثلا - إلا لمكان يكثر فيه السباع لا لما فيه سبع واحد، ثم تجوز بها عما هو سبب لكثرة الشيء وغلبته كقولهم: الولد مجبنة ومبخلة، أي: سبب لكثرة جبن الوالد وكثرة بخله، وهو المراد هنا، أي: سببا لكثرة تبصر الناظرين فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو حيان : هو مصدر أقيم مقام الاسم وانتصب على الحال أيضا قالوا هذا أي: الذي نراه أو نحوه سحر مبين أي: واضح سحريته على أن ( مبين ) من (أبان)

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية