الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قال: (قال أبو الحسن الأشعري في أول كتاب "مقالات الإسلاميين": اختلف المسلمون بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم في أشياء ضلل بعضهم بعضا، فصاروا فرقا متباينين إلا أن الإسلام يجمعهم ويعمهم ) قال: (فهذا مذهبه، وعليه أكثر الأصحاب. ومن الأصحاب من كفر المخالفين ). قال: (فأما الفقهاء فقد نقل عن الشافعي رحمه الله أنه قال: لا أرد شهادة كل أهل الأهواء والأقوال إلا الخطابية فإنهم يعتقدون حل [ ص: 489 ] الكذب. وأما أبو حنيفة فقد حكى الحاكم صاحب [ ص: 490 ] المختصر في "كتاب المنتقى" عن أبي حنيفة أنه لم يكفر أحدا من أهل القبلة، وحكى الرازي عن الكرخي [ ص: 491 ] وغيره مثل ذلك ) قال: (وأما المعتزلة فالذين كانوا قبل أبي الحسين تحامقوا وكفروا أصحابنا في إثبات الصفات وخلق الأعمال ) قال (وأما المشبهة فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة ، وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول أكفر من يكفرني، فكل مخالف يكفرنا نكفره وإلا فلا ) قال: (والذي نختاره أنا لا نكفر أحدا من أهل القبلة ) وهذا الذي اختاره آخرا خلاف ما ذكره في "تأسيسه" و "محصله" من [ ص: 492 ] تكفير المجسمة دون غيرهم.

والمقصود هنا أنه ذكر حجج من كفر المشبهة، وتكلم عليها، فقال: (وأما تكفير المشبهة فقد كفرهم أصحابنا والمعتزلة من وجوه ). إلى أن قال: (ورابعها أن الأمة مجمعة على أن المشبه كافر. ثم "المشبه" لا يخلو إما أن [ ص: 493 ] يكون هو أن يذهب إلى كون الله تعالى وتقدس مشبها لخلقه من كل الوجوه؟ أو ليس [كذلك ] والأول باطل؛ لأن أحدا من العقلاء لم يذهب إلى ذلك، ولا يجوز أن يجمعوا على تكفير من لا وجود له؛ بل "المشبه" الذي يثبت الإله على صفة يشبهه معها بخلقه. و "المجسم" كذلك؛ لأنه إذا أثبت جسما مخصوصا بحيز معين فإنه يشتبه عليه بالأجسام المحدثة. فثبت أن المجسم مشبه، وكل مشبه كافر بالإجماع، فالمجسم كافر ).

ثم قال في الجواب عن هذا: (قوله: المجسم مشبه، والمشبه كافر. قلنا: إن عنيتم بالمشبه من يكون قائلا بكون الله تعالى وتقدس شبيها بخلقه من كل الوجوه فلا شك في [ ص: 494 ] كفره؛ لكن المجسمة لا يقولون بذلك، فلا يلزم من قولهم بالتجسيم قولهم بذلك. ألا ترى أن الشمس والقمر والنمل والبق أجسام، ولا يلزم من اعترافنا باشتراكهما في الجسمية كوننا مشبهين للشمس والقمر بالنمل والبق ).

قال: (وإن عنيتم بالمشبه من يقول بكون الله تعالى شبيها بخلقه من بعض الوجوه. فهذا لا يقتضي الكفر؛ لأن المسلمين اتفقوا على أن الله موجود وشيء، وعالم، وقادر، والحيوانات أيضا كذلك، وذلك لا يوجب الكفر. وإن عنيتم بالمشبه من يقول: الإله جسم مختص بالمكان: فلا نسلم انعقاد الإجماع على تكفير من يقول بذلك، بل هو دعوى الإجماع في محل النزاع فلا يلتفت إليه ).

التالي السابق


الخدمات العلمية