الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 21 ] مسائل من الفتاوى المصرية [ ص: 22 ] بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة

في شرح الحديث الذي ذكره الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله! علمني دعاء أدعو به في صلاتي، فقال: قل: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم" .

شرحه الحكيم فقال: هذا عبد اعترف بالظلم، ثم التجأ إليه مضطرا، لا يجد لذنبه ساترا غيره، ثم سأله مغفرة من عنده.

والأشياء كلها من عنده، ولكن أراد شيئا مخصوصا ليس مما بذله للعامة، فلله تعالى رحمة قد عمت الخلق برهم وفاجرهم، سعيدهم وشقيهم، في أرزاقهم ومعايشهم وأحوالهم; ثم له رحمة خص بها المؤمنين، وهي رحمة الإيمان، ثم له رحمة خص بها المتقين، وهي رحمة الطاعة لله تعالى; ولله رحمة خص بها الأولياء نالوا بها الولاية، وله رحمة خص بها الأنبياء نالوا بها النبوة. ولما ذكر في [ ص: 24 ] تنزيله الأنبياء قال: ووهبنا لهم من رحمتنا . وقال الراسخون في العلم: وهب لنا من لدنك رحمة . فإنما سألوه رحمة من عنده.

فهذا صورة ما شرحه الحكيم الترمذي، ولم يذكر صفة الظلم وأنواعه كما ذكر صفات الرحمة.

والمسئول شرح ما مفهوم قول الصديق: "ظلمت نفسي ظلما كثيرا"؟ والذنب بين يدي الله تعالى لا يحتمل المجاز، والصديق من أئمة السابقين، والرسول صلى الله عليه وسلم أمره بذلك، فسيدي بسط القول في ذلك مما يفهمه السائل، وما هو الظلم الذي نسبه الصديق إلى نفسه كما علمه النبي صلى الله عليه وسلم؟

أجاب

الحمد لله. الدعاء الذي فيه اعتراف العبد بظلم نفسه ليس من خصائص الصديقين ومن دونهم، بل هو من الأدعية التي يدعو بها الأنبياء وهم أفضل الخلق، قال الله تعالى عن آدم وحواء: قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، وقال موسى عليه السلام: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم [ ص: 25 ] ، وقد دعا غيرهم بنحو هذا الدعاء، كقول الخليل عليه السلام: ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ، وقال: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ، وقال هو وإسماعيل: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، وقال موسى عليه السلام: أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك ، وقال نوح عليه السلام: رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ، وقال يونس: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية