الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا

                                                                                                                                                                                                                                        (172) لما ذكر تعالى غلو النصارى في عيسى عليه السلام، وذكر أنه عبده ورسوله، ذكر هنا أنه لا يستنكف عن عبادة ربه، أي: لا يمتنع عنها رغبة عنها، لا هو ولا الملائكة المقربون فنزههم عن الاستنكاف وتنزيههم عن الاستكبار من باب أولى، ونفي الشيء فيه إثبات ضده.

                                                                                                                                                                                                                                        أي: فعيسى والملائكة المقربون قد رغبوا في عبادة ربهم، وأحبوها وسعوا فيها بما يليق بأحوالهم، فأوجب لهم ذلك الشرف العظيم والفوز العظيم، فلم يستنكفوا أن يكونوا عبيدا لربوبيته ولا لإلهيته، [ ص: 387 ] بل يرون افتقارهم لذلك فوق كل افتقار.

                                                                                                                                                                                                                                        ولا يظن أن رفع عيسى أو غيره من الخلق فوق مرتبته التي أنزله الله فيها وترفعه عن العبادة كمالا بل هو النقص بعينه، وهو محل الذم والعقاب، ولهذا قال: ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا أي: فسيحشر الخلق كلهم إليه، المستنكفين والمستكبرين وعباده المؤمنين، فيحكم بينهم بحكمه العدل، وجزائه الفصل.

                                                                                                                                                                                                                                        (173) ثم فصل حكمه فيهم، فقال: فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي: جمعوا بين الإيمان المأمور به، وعمل الصالحات من واجبات ومستحبات، من حقوق الله وحقوق عباده.

                                                                                                                                                                                                                                        فيوفيهم أجورهم أي: الأجور التي رتبها على الأعمال، كل بحسب إيمانه وعمله.

                                                                                                                                                                                                                                        ويزيدهم من فضله من الثواب الذي لم تنله أعمالهم ولم تصل إليه أفعالهم، ولم يخطر على قلوبهم. ودخل في ذلك كل ما في الجنة من المآكل والمشارب، والمناكح، والمناظر والسرور، ونعيم القلب والروح، ونعيم البدن، بل يدخل في ذلك كل خير ديني ودنيوي رتب على الإيمان والعمل الصالح.

                                                                                                                                                                                                                                        وأما الذين استنكفوا واستكبروا أي: عن عبادة الله تعالى فيعذبهم عذابا أليما وهو سخط الله وغضبه، والنار الموقدة التي تطلع على الأفئدة.

                                                                                                                                                                                                                                        ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا أي: لا يجدون أحدا من الخلق يتولاهم فيحصل لهم المطلوب، ولا من ينصرهم فيدفع عنهم المرهوب، بل قد تخلى عنهم أرحم الراحمين، وتركهم في عذابهم خالدين، وما حكم به تعالى فلا راد لحكمه ولا مغير لقضائه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية