الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      [ ص: 340 ] هذا الشرح المسمى تنبيه الخلان على الإعلان بتكميل موارد الظمآن في رسم الباقي من قراءات الأئمة السبعة الأعيان:

      بسم الله الرحمن الرحيم: "الحمد لله" الذي علمنا رسم الآيات القرآنية، على نحو ما في المصاحف العثمانية، الواجب اتباعها في رسم كل قراءة متواترة عن خير البرية، عليه أفضل الصلاة وأزكى التحية، وعلى آله وأصحابه وكل من اتصف بالتبعية، أما بعد فيقول العبد الفقير إلى ربه الغني المغني، إبراهيم بن أحمد المارغني: لما يسر الله لي شرح نظم "مورد الظمآن" المتضمن للرسم التوقيفي، وخلافيات المصاحف باعتبار قراءة الإمام نافع فقط، وكان نظم العلامة الشيخ سيدي عبد الواحد بن عاشر المسمى ب: "الإعلان بتكميل مورد الظمآن"، متضمنا لكيفية الرسم ولبقايا خلافيات المصاحف في الحذف وغيره باعتبار الباقي من قراءات الأئمة السبعة "أردت" تنبيه الخلان من القراء على رسم باقي القراءات السبعية فشرحت الإعلان أيضا شرحا اختصرته مما ذكره مؤلفه في شرحه على "مورد الظمآن" مع زيادة شيء عليه، فإذا أخذ طالب الرسم ما في "الإعلان"، وشرحه مع ما في المورد وشرحه كان على بصيرة في الرسم باعتبار القراءات السبع، وسميت هذا الشرح "تنبيه الخلان على الإعلان بتكميل مورد الظمآن في رسم الباقي من قراءات الأئمة السبعة الأعيان"، جعله الله خالصا لوجهه الكريم، ونفع به النفع العميم، آمين، قال الناظم رحمه الله: بسم الله الرحمن الرحيم.


      بحمد ربه ابتدا ابن عاشر مصليا على النبي الحاشر

      ضمن في هذا البيت الثناء على الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والحاشر من أسمائه -صلى الله عليه وسلم- كما في "الموطأ"، وغيره، عن محمد بن جبير بن مطعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد وأنا [ ص: 341 ] الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب" واسم الناظم عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر، الأنصاري نسبا، الأندلسي أصلا، الفاسي منشأ ودارا، كان رحمه الله عالما عاملا عابدا متفننا في علوم شتى، عارفا بالقراءات وتوجيهها، وبالتفسير والرسم والضبط وعلم الكلام، والأصول والفقه والفرائض وعلوم العربية وغير ذلك، قرأ على شيوخ عديدة وألف تآليف مفيدة، منها هذا النظم، وقد ذكر في شرحه على مورد الظمآن أنه سمى هذا النظم: "الإعلان بتكميل مورد الظمآن"، قال: ضمنته بقايا خلافيات المصاحف في الحذف وغيره مما يحتاج إليها من تخطى قراءة نافع إلى غيرها من سائر قراءات الأئمة السبعة؛ إذ ما زال أذكياء الطلبة الناشئين في هذا الفن وحذاقهم يسألون عن كيفية رسم كثير من المواضع إذا أخذ فيها بغير مقرأ نافع، فيقصر في الجواب عن مثل هذه المطالب الجليلة من اقتصر على المورد، وأهمل العقيلة. اهـ، توفي الناظم رحمه الله عشية يوم الخميس ثالث ذي الحجة من عام أربعين وألف، وقوله: "ابتدا" أصله بهمزة مفتوحة بعد الدال، فسكن همزته ثم أبدلها ألفا، وحذفها لالتقاء الساكنين، ثم قال:


      هاك زائد لمورد تفي     بالسبع معه من خلاف المصحف


      المدني والمك والإمام     والكوف والبصر معا والشام

      أمر في البيت الأول المتأهل للخطاب أن يأخذ زوائد على ما في "مورد الظمآن"، من خلافيات المصاحف العثمانية تفي تلك الزوائد أي: تكون وافية مع انضمامها إلى المورد برسم القراءات السبع، وذلك; لأن "مورد الظمآن" تكفل بخلافيات المصاحف باعتبار قراءة نافع فقط، وهذا النظم تكفل ببقايا خلافيات المصاحف باعتبار قراءات غير نافع من باقي السبعة، فإذا أخذ طالب الرسم ما في هذا النظم مع ما في المورد كان على بصيرة في الرسم باعتبار القراءات السبع، التي تكفل برسمها كلها المقنع لأبي عمرو الداني، ونظمه العقيلة للشاطبي، ثم ذكر في البيت الثاني المصاحف [ ص: 342 ] العثمانية المتعارفة عند أهل الرسم وهي ستة، وإن كان في عددها خلاف ذكرناه في شرح مورد الظمآن، الأول: الإمام وهو المصحف الذي احتبسه سيدنا عثمان لنفسه، وعنه ينقل أبو عبيد القاسم بن سلام، الثاني: المدني وهو المصحف الذي كان بأيدي أهل المدينة، وعنه ينقل نافع، الثالث: المكي؛ وهو واللذان قبله هي المرادة بالمصاحف الحجازية والحرمية عند الإطلاق، الرابع: الشامي: الخامس: الكوفي، السادس: البصري، وهذان عراقيان وهما المرادان بمصاحف أهل العراق عند الإطلاق، وسبب كتابة القرآن في المصاحف أن سيدنا عثمان بن عفان لما بلغه أن أهل حمص، وأهل دمشق وأهل الكوفة وأهل البصرة يقول كل منهم: إن قراءته خير من قراءة غيره جمع رضي الله عنه الصحابة -وكانت عدتهم اثني عشر ألفا- فلما أخبرهم بذلك الخبر أعظموه، وقالوا: ما ترى؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف، فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف، فقالوا: نعم ما رأيت، فأحضر الصحف التي جمع فيها القرآن في خلافة أبي بكر الصديق وكانت عند حفصة، وأحضر زيد بن ثابت ومن كان معه، وأمره بكتب المصاحف فكتبها على العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جبريل في العام الذي قبض فيه، ثم أرسل سيدنا عثمان إلى مكة مصحفا، وإلى الشام مصحفا، وإلى الكوفة مصحفا، وإلى البصرة مصحفا، وأمسك بالمدينة مصحفا لأهل المدينة، ومصحفا لنفسه؛ وهو المسمى بالإمام، وقد كان في تلك البلاد في ذلك الوقت الجم الغفير من حفاظ القرآن من التابعين، فقرأ أهل كل مصر بما في مصحفه، ونقلوا ما فيه عن الصحابة الذين تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم، وقول الناظم: "هاك" اسم فعل بمعنى "خذ"، واللام في قوله: "لمورد" بمعنى "على"، وخفف ياء النسب من "المدني"، وحذفها من "المكي" و: "الكوفي"، و: "البصري" و: "الشامي" للضرورة.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية