الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب ذكر رسله- صلى الله عليه وسلم- إلى الملوك ونحوهم وذكر بعض مكاتباته وما وقع في ذلك من الآيات

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول في أي وقت يعلن ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن سعد عن ابن عباس وجماعة وابن أبي شيبة عن جعفر عن عمرو دخل حديث بعضهم في بعض أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام ، وكتب إليهم كتبا فقيل له : يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن الملوك لا يقرؤون كتابا إلا مختوما فاتخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ خاتما من فضة نقشه ثلاثة أسطر ، محمد رسول الله ، فختم به الكتب ، فخرج ستة نفر في يوم واحد وذلك في المحرم سنة سبع ، وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعث إليهم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن بريدة والزهري ويزيد بن رومان والشعبي قالوا : بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عدة إلى عدة ، وأمرهم بنصح عباد الله تعالى- فذكر ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «هذا أعظم ما كان من حق الله تعالى عليهم في أمر عباده» .

                                                                                                                                                                                                                              وقال في زاد المعاد : «لما رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الحديبية سنة ست ، كتب إلى ملوك الأرض وأرسل إليهم رسله ، فكتب إلى الروم فقيل : إنهم لا يقرؤون كتابا إلا أن يكون مختوما ، فاتخذ خاتما من فضة ونقش عليه ثلاثة أسطر محمد سطر ، ورسول سطر ، والله سطر ، وختم به الكتب إلى ملوك الأرض ،

                                                                                                                                                                                                                              وبعث ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع ، فأولهم عمرو بن أمية الضمري بعثه إلى النجاشي واسمه أصحمة بن أبجر .

                                                                                                                                                                                                                              وتفسير «أصحمة بالعربية : عطية » ، فعظم كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأسلم وشهد شهادة الحق ، وكان من أعلم الناس بالإنجيل ، وصلى عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم مات بالمدينة وهو بالحبشة
                                                                                                                                                                                                                              ، هكذا قال جماعة : منهم الواقدي وغيرهم وليس كما قال هؤلاء ، فإن أصحمة النجاشي الذي صلى عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليس هو الذي كتب إليه .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : لا يعرف إسلامه ) بخلاف الأول ، فإنه مات مسلما ، وقد روى مسلم في [ ص: 345 ] صحيحه من حديث قتادة عن أنس - رضي الله تعالى عنه- : كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وليس بالنجاشي الذي صلى عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وليس هو أصحمة الذي أسلم على يد جعفر ، وأكرم أصحابه كما سبق في حديث أنس .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في إسلام هذا فاختار ابن سعد وغيره أنه أسلم وخالفهم ابن حزم ، قال ابن القيم : قال أبو محمد بن حزم : أن هذا النجاشي الذي بعث إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمرو بن أمية لم يسلم ، والأول اختيار ابن سعد وغيره ، والظاهر قول ابن حزم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر ، وإلى النجاشي ، وإلى كل جبار ، يدعوهم إلى الله تعالى ، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والطبراني بسند جيد عن جابر - رضي الله تعالى عنه- قال : كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت إلى كسرى وقيصر ، وإلى كل جبار .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عبد الحكم في الفتوح والبيهقي في الدلائل عن ابن إسحاق قال : حدثنا الزهري قال : حدثنا أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان قال : لما قدم دحية الكلبي بن خليفة على هرقل بكتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فأسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن أبيت فإن إثم الأكارين عليك

                                                                                                                                                                                                                              فلما انتهى إليه كتابه وقرأه أخذه فجعله بين فخذه وخاصرته ثم كتب إلى رجل من أهل رومية كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ يخبره مما جاءه من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فكتب إليه أنه النبي المنتظر لا شك فيه فاتبعه فأمر بعظماء الروم فجمعوا له في دسكرة ملكه ثم أمر بها فأشرجت عليهم واطلع عليهم من علية له وهو منهم خائف فقال : يا معشر الروم إنه جاءني كتاب أحمد وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظر ونجد ذكره في كتابنا نعرفه بعلاماته وزمانه فأسلموا واتبعوه تسلم لكم دنياكم وآخرتكم فنخروا نخرة رجل واحد وابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها مغلقة دونهم فخافهم فقال : ردوهم علي فكرهم عليه فقال لهم : يا معشر الروم إنما قلت لكم هذه المقالة أغمزكم لأنظر كيف صلابتكم في دينكم فلقد رأيت منكم ما سرني فوقعوا له سجدا ثم فتحت لهم أبواب الدسكرة فخرجوا
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في فتوح مصر : لما كانت سنة ست من الهجرة ورجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الحديبية ، بعث إلى الملوك ، قام ذات يوم على المنبر ، فحمد الله تعالى ، وأثنى عليه وتشهد ثم قال : أما بعد ، فإني أبعث [ ص: 346 ]

                                                                                                                                                                                                                              بعضكم إلى ملوك العجم ، فلا تختلفوا علي كما اختلف بنو إسرائيل على عيسى ابن مريم ، وذلك أن الله تعالى أوصى إلى عيسى أن ابعث إلى ملوك الأرض فبعث الحواريين ، فأما القريب مكانا فرضي ، وأما البعيد مكانا فكره وقال : لا أحسن كلام من تبعثني إليه ، فقال عيسى : اللهم ، أمرت الحواريين بالذي أمرت فاختلفوا علي فأوحى الله تعالى إليه أن سأكفيك فأصبح كل إنسان يتكلم بلسان الذي أرسل إليه ، فقال المهاجرون : يا رسول الله ، تالله ، لا نختلف عليك أبدا في شيء فمرنا وابعثنا
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيه :

                                                                                                                                                                                                                              اعلم أن محمد بن عمر الأسلمي ، ذكر أن إرسال الرسل كان سنة ست ، وذكر البيهقي أن إرسال الرسل كان بعد غزوة مؤتة .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن كثير : ولا خلاف بينهم ، لأن بدء ذلك كان قبل فتح مكة وبعد الحديبية لقول أبي سفيان لهرقل حين سأله هل يغدر ؟ فقال : لا ، ونحن منه في مدة ما ندري ما هو صانع فيها ، وفي لفظ البخاري : «وذلك في المدة التي ماد فيها أبو سفيان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- » وقال ابن إسحاق : كان ذلك ما بين الحديبية ووفاته- صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              ونحن نذكر ذلك هنا على ترتيب أسماء الرسل . [ ص: 347 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية